[الأعمال الصالحة سبب لتعجيل البشارة في الدنيا والآخرة]
يحدثنا شاهد عيان نثق بعلمه وأمانته من المشايخ أنه حضر القصة وعاصر أحداثها بنفسه، والقصة وقعت في مدينة بريدة في القصيم، ومدار القصة: أن شاباً نشأ وترعرع في عبادة الله، لا يعرف من الدنيا شيئاً إلا القرآن والمسجد، ولم يقف في حياته لحظةً واحدة مع صبي يلعب معه، وإنما منذ بلغ ست سنوات وهو مع أبيه في المسجد، وكان يلازم المسجد باستمرار، ويقرأ القرآن باستمرار حتى حفظ القرآن وعمره تسع سنوات، وإذا سئل عنه: أين هو؟ قالوا: في المسجد، ماذا يصنع؟ قالوا: يقرأ القرآن.
ولما جاءت مرحلة الدراسة الابتدائية ذهب إلى المدرسة وجلس أسبوعاً فيها، ثم عبر عن رغبته لوالديه بعدم الرغبة في الدراسة، فقالوا له: لماذا؟ قال: لم أستفد فقد ضيعت الحفظ، أريد أن أجلس في المسجد للقرآن والذكر، فجلس في المسجد وحفظ القرآن -كما قلت- وكثيراً من الكتب الإسلامية، وإذا نظرت إليه تذكر الله من جلاله وبهائه ونور إيمانه، ولما توفي والده بقي في كفالة عمه، وحينما بلغ السادسة عشرة من عمره مرض، واستمر مرضه أسبوعاً كاملاً، ثم توفي رحمة الله تعالى عليه، وكانت وفاته في الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، أي: في الضحى، فأراد عمه وهو الذي يشرف على تمريضه أن يذهب إلى الجماعة ليطلب منهم المسارعة في دفنه ولكنه كان متعباً، فأراد أن ينام قليلاً حتى يؤذن لصلاة الظهر ثم يحضر الناس في الصلاة ويطلب منهم أن يدفنوه بعد الصلاة، فما إن نام عند الولد في غرفته إلا وهو بتلك المرأة، يقول: جاءت امرأة ومعها نساء من خلفها فأيقظتني وقالت: يا شيخ! نسألك بالله إلا عجلت علينا بهذا الشاب، قال: ومن أنتِ؟ قالت: أنا زوجته من الحوريات في الجنة، ونحن على أحر من الجمر ننتظره وأنت تنام وتحبسه عنا، فنسألك بالله إلا عجلت به علينا، قال: فاستيقظ من نومته وقام ودعا الناس وسارع في دفنه وتجهيزه، وحينما دخل الناس إلى الغرفة وجدوا لها رائحة ما شموا مثلها في الدنيا، قالوا: يا شيخ! عندك رائحة عظيمة في هذه الغرفة، ما هذه الرائحة؟ قالوا: رائحة طيب العود، لكن ليس كطيب عود الدنيا، عود يختلف عن كل أطياب الدنيا، قال: إنها رائحة الحورية، لازالت رائحتها تعبق الغرفة وتطيبها، قال: ومكثت هذه الرائحة أكثر من شهرين.
فكل ما خطر في بالك فالجنة بخلاف ذلك، جعلنا الله وإياكم من أهلها.
لقد أمرنا الله بطاعته قال عز وجل:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}[النساء:٦٩] شرط وجوابه، من هنا شرطية:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ}[النساء:٦٩] هذا الشرط،
و
الجواب
{ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}[النساء:٦٩] ما أعظمها من نعمة أن ينعم الله عليك بالجنة، وأن تكون مع الرفقة، مع من؟ {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}[النساء:٦٩] من بقي غير هؤلاء؟ ما بقي إلا القتلة والفجرة والزناة والخمارون والمجرمون، ثم قال يصفهم:{وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}[النساء:٦٩].
ويقول عز وجل:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب:٧١] ليس الفوز أن تحصل على شهادة، وتحتل منصباً، وتتزوج بجميلة، وتسكن عمارة فارهةً، وأن تركب سيارة حديثة، هذا فوز ولكنه فوز مؤقت، وأما الفوز العظيم الأبدي فهو الذي يقول الله تعالى فيه:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب:٧١] نسألك اللهم من فضلك.
ونهانا عن معصيته ومخالفة أمره، وتوعدنا إن نحن عصيناه بناره؛ نار حرها شديد، وقعرها بعيد، ومقامعها وسلاسلها وأغلالها حديد، نارٌ أوقد الله عليها ثلاثة آلاف عام، ألف سنة حتى احمرت، وألف سنة حتى ابيضت، وألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة.