[صبر أيوب عليه السلام على أقدار الله]
قال الله عن نبيه أيوب عليه السلام: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:٤٤]، وقد تحققت في أيوب عليه السلام جميع أنواع الصبر؛ فكان صابراً لله على طاعته، وعن معصيته، وعلى أقداره المؤلمة، فقد ابتلاه الله في ماله وولده، وجسده بالمرض فصبر.
وتذكر كتب التاريخ أنه عانى من المرض الشديد والبلاء العظيم في جسده ولم يشك ويتضجر ويتسخط، بل صابر على كل الأحوال، حتى إنه ما سأل الله أن يشفيه، وإنما كان يعلم أن قضاء الله خيرٌ له في كل الأحوال؛ فكان صابراً.
ومرت به السنون والأيام حتى انتشر الدود في جسده، وأكل اللحم والعصب، ولم يبق إلا الهيكل العظمي، ولكن الله حمى له قلبه ولسانه، فكان قلبه شاكراً، ولسانه ذاكراً.
ومرت السنون بعد ذلك فدخل الدود في اللسان الذاكر والقلب الشاكر، ورأى أيوب عليه السلام أنه سوف يتعطل عن الذكر والشكر بهذا الأمر؛ فابتهل إلى الله وقال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:٨٣] يقول المفسرون: إن الضر الذي مسه ويشكو منه ليس ضر المرض، ولكن ضر التعطيل عن الذكر والشكر، فيقول: أما المرض فصابر عليه، ولكني لا أصبر عن ذكرك وشكرك، فاستجاب الله له، وقد قالت له زوجته رحمة بنت يوسف عليه السلام: أنت نبي مستجاب الدعوة، فسل ربك أن يرحمك ويشفيك، فقال لها: كم بلغت مدة مرضي؟ قالت: (١٨) سنة، قال: وكم بلغت مدة عافيتي قبل ذلك؟ قالت: ثمانون عاماً، قال: فإني أستحي أن أسأل ربي حتى تبلغ مدة مرضي مدة عافيتي.
يقول: إذا أنهيت ثمانين سنة فأخبريني لكي أدعو الله أن يعافيني، يعني: سواء بسواء.
أما نحن فيعافينا الله سنين طوالاً، فإذا أصاب الإنسان مرض ضجر، وقال: ما بالي أنا من بين الناس، كل الناس في عافية إلا أنا؟!! وليته يصبر ويسلك السبل الشرعية في التداوي؛ لأن التداوي لا ينافي التوكل، بل هو مأمور به، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عباد الله! تداووا ولا تداووا بحرام، فإن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها)، ولكنه يتداوى بالحرام، فيذهب إلى الكهنة والمشعوذين ويشكو ربه إليهم، ويبيع دينه -والعياذ بالله- ويخرج من الإسلام؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أتاه ولم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين نهاراً).
من الناس من يأتيه المس من الجن، وعلاج المس من الجن معروف وواضح في الدين والقرآن، فالرقية الشرعية للمس ليس هناك أنجع منها، لكن هناك علاج شيطاني عن طريق الكهنة والمشعوذين، بأن يذهب هذا المريض الذي عنده المس أو الصرع إلى هذا الكاهن، فيقوم هذا الكاهن بدعوة ذلك الجني الذي قد مس هذا الإنسي فيقول له: لا تقربه؛ لأن الرجل أتانا وهو من الجماعة -فمنذ أن أتى هذا الكاهن أصبح كافراً، يعني: خرج من الإسلام- فلو لم ننفعه لما اعتقد بنا، فلا تقربه.
وحتى يضمن الكاهن تصديق هذا المسكين يأتي إليه فيكتب له عبارات مبهمة على أوراق ويقول له: انقعها واشرب ماءها، ويعطيه حرزاً طالباً منه أن يدفنه في غرفة مظلمة ليس فيها نور ولا صوت، وأحياناً يقول له: خذ تيساً أسود أو أبيض ليس عليه علامة وادخل به على هذا المريض، واذبحه ولا تسم.
فيخرج بهذا الفعل من الدين والعياذ بالله.
ولو كان صاحب عقيدة ودين وجاءه هذا المرض ولجأ إلى الله، فالله يختبره، فأحياناً يذهب إلى العالم أو إلى القارئ فيقرأ عليه القرآن مرة ومرتين وثلاث فلا ينتفع؛ لأن ابن القيم رحمه الله ذكر في كتابه زاد المعاد في علاج صرعى الجن قال: إن العلاج لا يقع إلا إذا توفر أمران: الأمر الأول: يأتي من القارئ، وهو مقدار يقينه وصدقه وصلته بالله.
والأمر الثاني: يأتي من المريض المقروء عليه على مقدار يقينه وصدقه وصلاحه، فإن كان القارئ مخلصاً والمقروء عليه موقناً بالله؛ فإن العلاج ينجح بإذن الله، أما إن تخلف أحدهما بأن كان القارئ فاسقاً، أو جباناً، أو لم يكن عنده قوة عقيدة، أو تخلف المقروء عليه؛ بأن كان قليل دين -والعياذ بالله- ولولا أنه مرض لما عرف القرآن، فلا بد من توفر الشرطين.
فصبر أيوب عليه السلام مضرب المثل، فقد تحقق له جميع أنواع الصبر، فقال عز وجل: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:٤٤].
وقال لخاتم أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف:٣٥] وقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:١٢٧].