[الإيمان الصادق والإيمان المزيف]
هذه حقائق قالها الرسول صلى الله عليه وسلم، إذا استقرت في قلبك وصدقتَ بها دفعتك هذه الحقائق إلى أن تقوم لتصلي؛ لكن إذا نُمْتَ ولم تقم لتصلي صلاة الفجر وأنت تعلم هذه الأوامر، فاعلم أن حقيقة الإيمان ما استقرت في قلبك؛ لأنه لو قيل لك: إن في المسجد في وقت صلاة الفجر خمسين ريالاً تُصْرَف، لو صدر أمر الآن أن خمسين ريالاً لِمَن يصلي الفجر في المسجد -الآن استقرت في قلوب الناس حقيقة الإيمان بالريال، وقوة الريال الشرائية- فإذا صلى الفجر وأخذ الخمسين من الإمام، فإنه يغدو إلى البيت ويأتي بفطور، ويأتي بغداء، ويشتري فاكهة، وغير ذلك ويبقى راتبه وراء ظهره، فمَن الذي يترك الصلاة في المسجد ذاك اليوم؟! هل أحد يتركها؟! لا تجد أحداً يتركها، هل سيقوم ليصلي ويترك أولاده نائمين؟! لا والله لا يخرج إلا وهم معه، ولو بالعصا.
وأيضاً لو قيل للناس: إن الذي يأتي في الصف الأول يستلم الأول، والذي في الصف الثاني يستلم الثاني، والذي يأتي في الأخير ربما لن يستلم إلا الساعة السادسة والنصف أو السابعة؛ ما رأيك؟! هل يتضاربون على الصف الأول أم لا؟! بل بعضهم يأخذ بطانيته من نصف الليل، ويأتي لينام في الصف الأول: ما بك؟! قال: أنا مشغول غداً، لا أريد أن يفوتني الطابور، وهو ليس بمشغول؛ بل يريد أن يأخذ الفلوس.
لكن من يؤمن بهذه الحقائق؟! الذين استقر الإيمان في قلوبهم.
فتلك الخمسون ريالاً استقر الإيمان في جدواها، ومن أجلها نأتي لنصلي؛ لكن إذا لم تكن هناك فلوس، وليس هناك إلا الثواب والأجر، والجنة والإيمان فمن الذي يأتي؟! الذي استقر الإيمان في قلبه.
أما ذلك المنافق المنكوس القلب الذي لا يؤمن إلا بلذاته وشهواته إذا سمع: الله أكبر، الله أكبر، مَطَّ البطانية ونام، هذا كذاب في إيمانه، دجال، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: (فرق ما بيننا وبين المنافقين صلاة العشاء والفجر).
ويقول: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً).
الآن آمَنَ الناس إيماناً جازماً ما خالطه شك بنظام المرور! مَنْ السائق الذي يأتي إلى الإشارة الحمراء ويقطعها؟! لا أحد، ولو كانت زوجته معه ستلد، أو كان معه مريض سيموت فإنه لن يقطعها؛ لأن الإشارة حمراء، وإذا قطعها وهي حمراء ماذا يقول الناس عنه؟! الذي بجانبه، والذي وراءه، كلهم ينظرون إليه، ويطاردونه، ويأخذون رقمه، ويبلغون به: كيف تقطع الإشارة؟! حسناً الاتجاهات الآن بين أبها والخميس، اتجاه من اليمين ذاهب، واتجاه من اليسار عائد، أليس الناس كلهم على هذا الخط، أصحاب اليمين في اليمين، وأصحاب اليسار في اليسار؟! ما رأيكم لو أن شخصاً جاء من جوحان يقصد الخميس، فلا بد له أن يفترق من عند مفروشات المطلق؛ لكنه يقول: أنا مستعجل يا جماعة، لن أمشي من هناك، سأمشي من هنا، وعكس الخط ومشى، وكلما جاءته سيارة لَفَّ منها، ما رأيك؟! أليس كل مَن يأتي من الخميس ينكر عليه، ويضرب له المنبه، ويقف جانباً، ويقول: ارجع، لا يراك الناس، يا غلطان؟! لماذا؟! لأنه عاكسٌ للخط، وقد آمن الناس بهذا، ولذا لا أحد يعكس الخط، ولا أحد يقطع الإشارة، وكل واحد في خطه.
لكن من الناس من يعكس الخط مع الله، ويقطع الإشارات على الله، لماذا؟! لأنه ما آمن بأن هناك من يراقبه ويسجل عليه، آمن بأن هناك من يراقبه إذا قطع الإشارة، ولذا إذا جئت في نصف الليل، أو الساعة الواحدة، أو الساعة الثانية، والإشارات لا زالت حمراء، فإنك تلقى السائق واقفاً، رغم أن الخط فارغ، ومع ذلك لا يمشي: ما بك لا تمشي؟! يقول: فلعل جندياً هناك وراء تلك الزاوية يراني.
إيمان بالغيب حتى ولو أن الجندي نائم أو ليس بموجود؛ لكن استقرت هذه الحقائق في قلوب الناس.
ولكن لم تستقر في قلوب الناس حقيقة الإيمان بعقوبة الله للعاصين وبثواب الله للطائعين، ولذا نرى الكثير من الناس يتساهل في الطاعات، ولا يهمه أمرها -والعياذ بالله- يتساهل في المعاصي ويقع فيها، ولا يقف عندها إلا أهل الإيمان، أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلني وإياكم منهم.
صاحب الإيمان يضطرب قلبه ويتقطع لنغمة يسمعها في الإذاعة عندما يريد سماع الأخبار؛ حيث يسمع قبلها موسيقى أو غيرها من آلات اللهو لماذا؟! لأنه مؤمن.
لكن صاحب النفاق، لا ينبسط إلا إذا سمع تلك النغمات والآلات، بل يشتريها بفلوس، بعضهم يشتري الأسطوانات بعشرين وبثلاثين ريالاً، والأشرطة والأفلام ويسمعها! يشتري بماله ما يهلك نفسه ويسهر ليله، والشياطين تبرك عليه، وتغويه إلى أن يتفتت قلبه، ويطير قلبه في كل وادٍ وفي كل بيداء وفي كل صحراء بعيداً عن الله.
فللإيمان صورة وحقيقة -كما قلت لكم- وصورة الإيمان لا تغني عن حقيقة الإيمان شيئاً، يوم القيامة يأتي المؤمن الحقيقي فيجد أن حقيقة إيمانه تنفعه؛ لأنه جاء بعملة أصلية، أما الذي جاء بصورة الإيمان فإيمانه مُزَيَّف.
فالذي يأتي يوم القيامة بصورة الإيمان الذي ما أيقظه لصلاة الفجر، ولا حجزه عن الأغاني، ولا حجزه عن النظر إلى المحرم، ولا حجزه عن الكلام المحرم، ولا عن الغيبة، ولا عن النميمة، ولا عن أكل الحرام، ولا عن الوقوع في الزنا واللواط والحرام، هذا الإيمان لا يغني عنه شيئاًَ؛ لأنه إيمان مزيف، وإيمان كاذب.