للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رمضان شهر القرآن والدعوة إلى الله]

الإيحاء الرابع من إيحاءات رمضان: أنه شهر القرآن: والله يقول فيه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان} [البقرة:١٨٥] يقول العلماء: إن تخصيص الذكر بنزول القرآن في رمضان، فيه إشارة ودعوة للمسلم على أن يجعل رمضان كله للقرآن، ولهذا كان السلف إذا دخل رمضان عطلوا حلقات العلم؛ التفسير الفقه الحديث التوحيد، جميع الحلقات تؤجل، وتبدأ كل حلقاتهم قرآناً في قرآن، يختمون بالليل والنهار، حتى روي أن الإمام الشافعي كان يختم في كل رمضان ستون ختمة، ختمةً بالليل وختمةً بالنهار، لا يُرى إلا قارئاً، لا يفتر لسانه من قراءة القرآن، لكن اليوم كم نقرأ من القرآن؟ الله المستعان! يمكن في أول رمضان ينشط بعض الناس وتكون عنده همة ويأخذ المصحف ويقرأ، لكن انتظر إلى اليوم الثاني تجد بعضهم لا زال في البقرة لم يكملها، يمر عليه خمسة عشر يوماً وهو لا زال فيها، وهناك بعض المؤمنين يختمون في كل يومين مرة، أو في كل ثلاثة أيام مرة، أو في كل أربعة أيام مرة، أو في كل خمسة أيام مرة، فشهر رمضان شهر القرآن.

اتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآن

لا بد من تلاوة كلام الله في كل أوقاتك، ليكن مصحفك في جيبك، وفي مكتبك، وعند سرير نومك، وفي سيارتك، وكلما وجدت فرصة للتلاوة، حتى في العمل فاقرأ، إنك إذا كنت في وظيفتك فالمطلوب منك أن تصرف وقتك للوظيفة؛ لأن الوظيفة واجب والتلاوة نافلة، لكن إذا انتهيت من المعاملات ولم يبق عندك أي معاملة على مكتبك فاجلس وخذ المصحف واقرأ، وإذا جاءت المعاملات فضع المصحف وأنجز المعاملات، وبعد ذلك إذا أتيت لتنام فاقرأ، ومن حين يؤذن لكل صلاة أنت الأول، إذا كنت في الدوام عندما يؤذن فانزل الأول، من حين يؤذن تأتي لتصلي وترجع، تتعشى عشاءً خفيفاً وكن الأول، ولا تتأخر واذهب إلى المسجد مبكراً كي تقرأ القرآن، الفجر تتسحر وتأتي المسجد وتقرأ، تصلي الفجر وتقرأ، فاجعل كل حياتك في رمضان للقرآن.

وبعدها تقرأ بتدبر، لا تهذرم: (لا تهذوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، ولكن قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب) إذا رأيت آية من أوامر الله قف عندها واسأل نفسك، أين أنت منها؟ إذا رأيت نهياً من نواهي الله اسأل نفسك أين أنت من هذا النهي؟ اسأل نفسك أين أنت من هذا الخبر؟ قف عند القرآن وعجائبه وخذ العبر منه فهو {هُدىً لِلنَّاسِ} [البقرة:١٨٥] تأخذ من القرآن فكرة ومعنى الدعوة، لماذا؟ لأن الله يقول: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:١٨٥] فتحمل أنت مشعل الهدى والبينات، وتسير به بين الناس، فتدعو نفسك وزوجتك وأولادك وجيرانك وإخوانك، وتدعو زملاءك في العمل، وجلساءك في المكتب، وكل من تعرف، لماذا؟ لأن الدعوة هي تركة النبي صلى الله عليه وسلم، التركة التي خلفها لنا النبي صلى الله عليه وسلم: الدين والدعوة، يقول الله عزوجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨] {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣].

إن مسئولية الدعوة مسئولية كل مسلم، فكل مسلم يجب أن يدعو بحسبه وليست الدعوة هي علو المنابر وحضور المحاضرات وإلقاؤها، لا.

هذه جزء من الدعوة، لكن الاستقامة على الدين دعوة، تأييدك لرجل يأمر بمعروف ووقفتَ معه وقفة الحق دعوة، إذا رأيت صاحب منكر تقول له: يا أخي! هذا منكر لا يجوز لك.

هذه دعوة، كل أساليب الدعوة يجب أن تسلكها انطلاقاً من قراءتك للقرآن، فمصيبة الأمة اليوم أنها صامتة، بل متفرجة، لو جئت إلى اثنين في الشارع وقد رأيت أنا هذا بعيني، وليس من أهل البلد وإنما هو من إخواننا الوافدين، خرج رجل مواطن من المسجد، وبيده (سيجارة) على باب المسجد وأشعلها، خرج وأنا أصلي في المسجد، عندما خرج هذا الرجل اعترضه أخٌ آخر في الطريق وسلم عليه وقال له: يا أخي أما كنت تصلي الآن؟ قال: نعم، قال: يا أخي! لا ينبغي لك بعد الصلاة أن تعصي الله (بالدخان)، تب إلى الله منه، فهذا الرجل المسكين المواطن غضب، ورأى أنها إهانة له أن يوجه له شخص نصيحة، لا سيما وأنه يرى أن هذا الأخ ليس من المقيمين، فغضب عليه وزمجر وصاح فيه صيحة عنيفة، وقال: أصلك (ملقوف) وماذا دخلك فيَّ؟ وهل أنت وحدك الذي تعرف الدين؟! نحن أهل الدين، وبدأ يشتمه، وسمعت الصياح وأنا في المسجد، فخرجت وإذا بالناس كلهم واقفون، والله ليس فيهم واحد ينصر هذا الأخ المسكين، إلا أنهم كلهم متفرجون، فجئت فقلت: ما الذي حصل؟ قال: هذا الذي لا يفهم وهذا قلت: وماذا هناك؟ قال: ينصحني ويقول لي: لا أدخن -والدخان في يده- قلت: وما المانع أن ينصحك؟ هل الدين لك فقط؟ لو أن فيك ديناً وخيراً لم تدخن يا أخي! نعم ينصحك: (الدين النصيحة) يا أخي! فنظر إلي وقام يطفئ (السيجارة)، قال: النصيحة ليست بهذا الأسلوب؟ قلت: ماذا قال لك: هل ضربك أو شتمك؟ قال: يقول لي: المفروض ألا أدخن، حسناً! فقط المفروض ألا تدخن يا أخي! اتق الله يا أخي! الحق ضالة المؤمن، أو لأنه من دولة أخرى، أو من جنسية أخرى، فأنت لا تقبل الحق؟ قال: لا.

فقط أنا لا أرضى أن أحداً يقول لي، قلت: لا بد أن ترضى، ويجب أن تخضع للحق إذا كنت مسلماً، والذي لا يرضى بالحق فالله يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:٣٢] بعدها قام الناس قلت: يا جماعة! لماذا أنتم ساكتون؟ أليس هذا على حق؟ قالوا: نعم على حق.

قلت: لماذا تسكتون؟ لماذا لا تناصرونه؟ أو من أجل أن هذا أجنبي وهذا من أهل البلد، الحق يا أخي! ضالة المؤمن، يجب أن تناصر الحق من أيٍ كان مصدره، ومع أي إنسان يحمله، الدين ليس وقفاً لأحد، الدين دين المسلمين من شتى بقاع الأرض.

فيجب أيها الإخوة: أن نكون ألسنة ناطقة بالحق، ولكن بحكمة ورأفة وحب وشفقة، ليس بسب وشتيمة وانفعال، مثل هذا الأخ، قال له: يا أخي! الله يجزيك خيراً، أنت خارج من المسجد المفروض ألا تدخن، فقط، فهذا نعرفه من ماذا؟ من قراءة القرآن يقول الله: {هُدىً لِلنَّاسِ} [البقرة:١٨٥] ليس هدىً لك أنت، بل هدى للناس كلهم ومن أين تجيء؟ يقول الله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧] فالدين رحمة للعالم كله، ونحن -أيها الإخوة- ما دام عندنا إمكانية أن نبلغ دين الله فلنبلغ عن الله ولو آية، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو حديثاً واحداً.

هذا الإيحاء الرابع: وهو تلاوة القرآن.