للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل المساجد وفضل بنائها]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: أيها الإخوة في الله: قبل البدء في المحاضرة أود أن أشير في هذه المناسبة الطيبة التي نصلي فيها في هذا المسجد لأول مرة بذكر لمحةٍ عن فضل بناء المساجد؛ لأنها بيوت الله، ومشاعل النور، ومنطلق الدعوات، ومهابط السكينة، وأماكن الذكر والعبادة، والبقاع الطاهرة التي يحبها الله عز وجل، فهذه البيوت يكفيها شرفاً أن الله أضافها إلى نفسه، فهي بيوت الله عز وجل، أذن أن ترفع، وأن تبجل وتعظم وتقدس وتطهر، وأخبر أنها محطات لتزويد الناس بالإيمان، وذكر في سورة النور بعد أن ذكر أنه نور السماوات والأرض أن هذه الأنور توجد في هذه المساجد، فقال عز وجل: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} [النور:٣٥] أي: في قلب عبده المؤمن: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ} [النور:٣٥] أي: هذا المصباح: {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥] نور المشكاة، على نور المصباح، على نور الزجاجة، على نور الزيت الصافي، نور على نور، هذا مثل نور الله في قلب عبده المؤمن، نور الله، مع نور القرآن، مع نور الرسالة، مع نور العبادة، مع أنوار الملائكة: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥].

وكأن سائلاً يسأل ويقول: يا ربِّ أين هذا النور؟ قال بعدها: {فِي بُيُوتٍ} [النور:٣٦] هذه الأنوار في محطات الإيمان والنور: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:٣٦ - ٣٨].

فهذا الزيت يوقد من شجرة، أي من زيت شجرة مباركة، وهي شجر الزيتون: {زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} يعني الشمس تضربها في الشروق والغروب، وهذا يؤثر على صفاء زيتها، فيأتي زيتها أصفى من الشمس يكاد يضيء: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:٣٥].

فهذه المساجد -أيها الإخوة! - يبشر الرسول صلى الله عليه وسلم من وفقه الله لبنائها بالجنة.

ويقول العلماء: إن من بنى مسجداً لله فإنه من المبشرين بالجنة، لحديثٍ في الصحيحين يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له به بيتاً في الجنة) قال العلماء: لا يمكن أن يبني الله لك بيتاً في الجنة ويدخلك النار، فمعنى أن يبنى لك بيتاً في الجنة أن يدخلك الجنة، وإلا فما قيمة بيت وأنت لا تسكنه؟! وما معنى بيت لا تدخل فيه؟! وقال العلماء: إن هذا من المبشرات بالجنة، لكن بشرط: (يبتغي به وجه الله)، قال العلماء: هذا قيد يخرج به من يبني مسجداً للرياء أو للضرار، أو للمباهاة، لأن هذا لم يُبن لله؛ ولكن من بنى مسجداً خالصاً لوجه الله يبتغي به ما عند الله، بنى الله له به بيتاً في الجنة، فنسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجزي من بنى هذا المسجد خيراً، وأن يجعل له بيتاً في الجنة، هو ومن أعانه، ومن ساهم معه، ومن أشار عليه، ومن جعله باسمه، ومن صلى فيه، ومن عمل فيه صالحاً إلى يوم القيامة فإن فضل الله واسع.