للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طرق تحصيل التقوى]

كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من الله عز وجل أن يرزقه التقى والعفاف والغنى.

وطريق ذلك -أيها الإخوة- الشعور بأن الله مطلع على الإنسان في هذه الدنيا، فهذه ثمرة وأصل التقوى.

ومنهاج التقوى؛ إذا شعرت بأن الله مطلع عليك، ويعلم سرك ونجواك، ومطلع على ظاهرك وباطنك، واستحضرت ذلك في خلواتك وجلواتك، كان هذا حاجزاً لك عن المعاصي والذنوب.

وإلى هذا يشير معنى قول الله عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١] ويقول الشافعي: أندر الأشياء في الدنيا ثلاثة قيل له: ما هي؟ قال: الجود من قلة، أي: كريم وليس عنده شيء، والورع من خلوة، أي: يخاف الله وحده في الليل وهو نائم، ويمر بغرفة نومه على أغنية من الأغاني التي كان يحبها في أيام جاهليته فيتقطع قلبه شوقاً إليها، ولكنه يعلم أن الله يعلم مكانه ويسمعه ويراه فيدير المؤشر ويبعدها خوفاً من الله، هذا هو المتقي حقيقة.

المتقين لله حق تقاته والعارفون مكائد الشيطان

خافوا الإله فخافهم كل الورى حتى ضرار الأسد في الغيران

التقوى هي: إذا خفت الله عز وجل واتقيت الله تبارك وتعالى، يقول الشافعي: وكلمة الحق عند من يرجى أو يخاف.

وكتب ابن السماك يعظ أخاً له فقال: أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، واجعل الله من ذلك على كل حال في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربك منه، وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه لست تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك وليكثر منه خوفك ووجلك والسلام.

وقال أبو الجلد: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء أن يقول لقومه: ما بالكم تستترون بالذنوب من الخلق، وتبارزون بها الخالق.

يقول: لماذا إذا أراد الشخص أن يعصي الله ينظر في الأبواب والنوافذ والناس، ثم لا يطالع في السماء، يقول: قل لقومك: ما بالهم يستترون بالذنوب عن الخلق ولا يستترون عن الخالق، إن كنتم تعتقدون أنني لا أراكم فقد كفرتم.

فالذي يمارس المعصية ويعتقد أن الله لا يراه، ما حكمه?

الجواب

كافر؛ لأن الله يعلم كل شيء، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة:٧] يسمع دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء.

: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [المجادلة:٧] فإذا كنتم تعتقدون أن الله لا يراكم وأنتم على المعصية فقد كفرتم، وإن كنتم تعتقدون أن الله يراكم فقد تجرأتم على مولاكم لما جعلتموه أهون الناظرين إليكم، فهل يستطيع أحد أن يرتكب المعصية وهو يعلم أن أحداً يراه؟ إذا خلا الرجل بامرأة ونظر ذات اليمين وذات الشمال فلم ير أحداً، ثم خلال قيامه عليها رأى طفلاً رضيعاً، هل يستطيع أن يزني والطفل يراه؟ لا.

يخاف من طفل صغير، فكيف لا يخاف من الله؟!! دخل رجل على امرأة وأغلق الأبواب باباً تلو باب، حتى إذا وصل إليها قالت له: أغلقت الأبواب؟ قال: أغلقتها، قالت: بقي باب، قال: أين هو؟ قالت: الذي بينك وبين الله.

الأبواب التي بينك وبين الخلق أغلقتها ولكن بقي بينك وبين الله باب لم تغلقه، فقام الرجل خائفاً.

وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

وأنا أقول دائما لإخواني الشباب: ضعوا هذا المعيار أمام أعينكم، إذا خلوت بنفسك في الليل في أي مكان؛ في السماء أو الأرض، أو تحت أي سماء أو فوق أي أرض، وأردت أن تعصي الله، فتذكر هذين الأمرين: إن كنت تعتقد أن الله يراك فكيف تبارز الله، وتتجرأ عليه، ولا تعظمه؟!! وإن كنت تعتقد أن الله لا يراك؛ فقد كفرت والعياذ بالله!! ليس لك خيار: إما أن تقول: لا والله.

أنا أعتقد أن الله يراني، فنقول: قم من المعاصي! ولا تعصه وهو يراك، أو تقول: الله لا يراني، نقول: أحسن الله عزاءك في إسلامك.