للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقف الشاب الملتزم من زملائه الذين لا يصلون]

السؤال

فضيلة الشيخ! أنا أحبك في الله سبحانه وتعالى، وأنا موظف، وهناك بعض زملائي في الوظيفة، عندما تأتي صلاة الظهر لا يصلون، وقد نصحتهم مراراً، فما هو موقفي منهم جزاك الله خيراً؟

الجواب

أولاًَ: أحبك الله الذي أحببتني فيه.

ثانياً: موقف الموظف وهو رجل محافظ ومجتهد وملتزم أسأل الله أن يثبته، بالنسبة لإخوانه الموظفين معه في العمل فله أولاً: أن يبدأ بالنصيحة، والدعوة ولكن بالصبر والحكمة وبالكلمة الطيبة، سمعتُم في القراءة التي قرأها عليك المقرئ أول اللقاء، سمعتم قول الله عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣] ثم قال الله عز وجل بعدها مبيناً الأسلوب الصحيح للدعوة، فقال: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} [فصلت:٣٤] لا يستوي الأسلوب الطيب، والأسلوب السيئ في الدعوة، {ادْفَعْ} [فصلت:٣٤] بماذا؟ {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:٣٤] أي: قابل الأمور وعالج المشاكل بأحسن عبارة وألطف أسلوب {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ} [فصلت:٣٤] بأسلوبك الطيب الذي بينك وبينه عداوة تحوله إلى ماذا؟ {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤] ثم قال عز وجل إن هذا الكلام لا يقدر له كل أحد، هو في الذهن سهل لكن في التطبيق صعب، قال الله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٥].

أسأل الله أن يرزقني وإياكم من الحظ العظيم في هذا الشيء الكثير، وهو الحِلم والصبر، فإذا جئتَ إلى زميلك، وقلتَ له: صلِّ: يا أخي الصلاة خير، وقال: جزاك الله خيراً، فقد برئت ذمتُك منه، ولكن ليس بالضروري أن تذهب وتبحث عنه في المسجد، وإذا ما لقيتَه في المسجد تتكلم عليه، أو تضاربه، أو تبغضه، لا.

بل عليك بدلالة الإرشاد، أما الاتباع فليست لك، هداية الإتباع لمن هي؟ لله، أنتَ دله على الطريق وكفى، ولكن متى تبغضه؟ تبغضه إذا رفضك، أما إذا حدثته كل أسبوعين أو ثلاثة وجلست معه، وليس كل يوم، كلما مررت عليه قلت له: صلاة صلاة، كأن تقول له اليوم: صلاة، وغداً تقول له: صلاة، وبعد غد تقول له: صلاة، ثم بعدها يغضب عليك ويزهق منك، ويقول: يا رجل! شغلتنا، كل يوم صلاة صلاة، لن أصلي، فتكون أنتَ من جعله يقف هذا الموقف بأسلوبك، بل إذا قلتَ له: صلاة، فقد انتهى الموضوع، فتتحين له فرصة أخرى، أو انظر له مناسبة أخرى، أو زُره في بيته أو في مكتبه، أو اهدِ له شريطاً، اذكر له الحياة الدنيا الآخرة الموت الجنة، بأسلوب طيب وبطريقة حكيمة، حتى يكون عندما تذكر له مرة أخرى قال: جزاك الله خيراً، الحمد لله.

أما إذا نصحتَه ودعاك وقال لك: أرجوك لا تنصحني، فكلما جلستُ معك قلتَ: الصلاة الدين، تريد أن تجلس فاجلس، الدين ما عدتُ أريد أن أسمعه منك، ولا تنصحني، ولا لك علاقة بي، فهناك يلزمك شرعاً أن تبغضه في الله، وتقول له: فِراقٌ، لماذا؟ لأنه حدد منك موقفاً معيناً يلزمك أنت أيضاً أن تحدد منه موقفاً معيناً.

أما إذا كان ما زال يقبل الدواء، فأعطه الدواء، فأنت كالطبيب وهو كالمريض، والمريض في المستشفى كلما يمر عليه طبيب يعطيه علاجاً، ويقبل، والعافية بيد من؟ بيد الله، لكن ما رأيكم إذا قال الطبيب للمريض في الصباح: اشرب هذه الحبوب، فقال: لا أقبلها، فقال له: نعطيك إبرة، قال: والله لا أضربها، فقال له: إذاً: نعطيك أشعة، قال: ما هذه الأشعة، ما رأيكم ماذا سيفعل في الطبيب؟! أيتركه أم يخرجه؟ بل يكتب له ورقة خروج، ويقول: المريض غير متجاوب مع العلاج، لماذا؟ لأن المريض حدد من العلاج موقفاً.

فأنت عنده كالطبيب، وما دام يقبل العلاج منك فأعطِه، مَرَّةً حبوباً، ومَرَّةً إِبَراً، ومَرَّةً أشعةً، ومَرَّةً هديةً، وهكذا، إلى أن يعافيه الله، والعافية لا تنتظرها أنت، الذي ينزل العافية هو الله، {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءَُ} [القصص:٥٦].