[من وسائل الثبات فعل أوامر الله واجتناب نواهيه]
الوسيلة الثانية هي: فعل الأوامر، واجتناب النواهي: فمن وسائل الثبات على دين الله: الحرص كل الحرص على فعل أوامر الله والابتعاد عن نواهيه؛ لأن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [النساء:٦٦] وماذا؟! {وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:٦٦].
هذا منطوق الآية، بمعنى: لو أن الناس فعلوا ما يوعظون به، يعني: لو أن الناس التزموا بالأوامر، وابتعدوا عن النواهي، وصدقوا بالأخبار، وتمسكوا بالقرآن، وعملوا بالسنة: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} [النساء:٦٦] أي: ما يوجه إليهم من توجيه إلهي القرآن أو عن طريق السنة المطهرة: {لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:٦٦] أي: ثباتاً على دين الله.
لكن الذي لا يفعل ما أمره الله به، ولا ما وعظه الله عز وجل سيكون في شر، ولن يكون مُثبتاً، وهذا واقِعٌ ومشاهَدٌ ومُجَرَّبٌ.
فالقضية -أيها الإخوة- تحتاج إلى دور بارز منك في الموضوع، بعض الشباب يقول: والله أنا أريد أن أهتدي، ولو اهتديت أسير في الطريق أسبوعاً أو أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة، ثم لا أدري ما الذي يُرجعني! ماذا بك؟! أنت الذي رجعت! من الذي جاء وسَدَّ الطريق عليك؟! الشيطان، انهزمتَ أنت أمام شهوة من شهوات نفسك، أمام شبهة من شبهات الشيطان.
أذَّن المؤذن وأنت على الفراش دافئ ومبسوط وتعبان وسهران وتريد أن تنام، فنمت، لكن لو أنك استعذت بالله عز وجل من الشيطان الرجيم، واستعنت بالله، وقمت لأعانك الله، أم أنك تريد شخصاً يأتي ويأخذك من الفراش ويضعك في المسجد؟! لا أحد يستطيع أن يقوم بدورك إلا أنت بالهداية؛ لأن دورك هذا تريد منه نتيجة وثمرة، تريد منه جنة عرضها السماوات والأرض، أيعطيك ربي جنة وأنت ليس لك دور؟! أيعطيك ربي جنة وأنت منهزم؟! لا.
لا بد من التعب، الله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].
فلا بد من المبادرة والدور الإيجابي الذي تشعر فيه بأنك مسئول عن تنفيذ كل ما أمر الله، وعن الابتعاد عن كل ما نهى الله عنه؛ لأنك بهذا تعمل على تثبيت قدمك على دين الله، أما إذا تخلخلت في الأمر، كلما جاءك أمر وإذا بك تعمل عليه حيلة، هذا بداية الانهزام.
أحد الشباب كان في أول حياته مؤمناً ملتزماً، كان يصلي معنا الفجر في المسجد، أمه وأبوه غير ملتزمَين ومع ذلك واقفَان ضده، وهو بِحُكْمِ كَوْنِه شاباً ينام ولا يستيقظ، ولا أمه توقظه للصلاة، ولا أبوه يصلي في المسجد، ويضع الساعة عند رأسه فيضرب الجرس حتى تسكت ولا يقوم، فمسكين مِن حرصه على الصلاة والله ما كان ينام إلا في هذا المسجد! كان يسمر في البيت فإذا جاء وقت النوم أخذ المخدة والبطانية وجاء ونام في طرف المسجد هناك، بحيث عندما يدخل أول شخص إلى المسجد يوقظه، فيقوم ليصلي، وبعد الصلاة يجلس ويقرأ القرآن إلى الإشراق، ويصلي ركعتين ويذهب إلى البيت، إن كان معه عمل ذهب إليه، وإن كان ليس عنده عمل جلس في بيته.
فهذا الشاب كانت له استقامة تعتبر مثالية، ولن نستطيع أن نصفها؛ لكن بسبب الزعزعة وعدم الثبات على دين الله -والعياذ بالله- وبسبب الإيحاءات الشيطانية وقرناء السوء، والذين يردُّونه عن وسائل التثبيت، فشخص من قرناء السوء ركب معه في سيارته، وشغل له شريطاً من الأغاني، فقال له: أغلقه يا شيخ! هذا حرام.
قال: ماذا؟ قال: حرام.
قال: من الذي قال لك: أنه حرام؟ قال: سمعنا العلماء يقولون: إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، وإنه لا يجتمع حب القرآن وحب الغناء في قلب عبد مؤمن، والله تبارك وتعالى يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان:٦] وبدأ الرجل يعطيه الأدلة.
قال: يا شيخ! لا، أبداً أبداً، الأغاني حلال (١٠٠ %) ما دخل الأغاني في الدين؟! -انظر كيف يضله الشيطان الرجيم هذا- الدين أنك تصلي وتصوم، أما الأغاني هذه فليس فيها علاقة بالدين.
وهو مسكين يحب الأغاني قبل الهداية! ولما سمع فتوى شيطانية من شيطان تتيح له فرصة الأغاني، قال: صحيح.
قال: نعم.
تعال أُرِيْك.
وذهب وأخذه إلى البيت، وأظهر له كتاباً أو نسخةً من فتاوى بعض المغفلين الذين يصطادون في الماء العكر، والذين يضلون عباد الله عز وجل، وبدأ يبين له أن هناك خلافاً بين أهل العلم في مسألة حكم الغناء.
والخلاف الذي بين أهل العلم في مسألة التغني بالألفاظ فقط، أما الآلات الموسيقية؛ كالعود، و (الكمان) و (الناي)، والطنبور، وهذه الأجهزة كلها فالأمة مُجْمِعة بجميع فئاتها على أنها حرام، كل آلة من آلات الموسيقى فهي محرمة في الشرع، وكل الأمة تعتقد بهذا، ولكن هناك خلاف بين أهل العلم بين طائفة بسيطة في حكم التغني بالألفاظ، يعني: شخص يأتي ببيت من الشعر بطريقة سليمة، فيقول:
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ
وشخص آخر يقول: لا تقل هكذا يا شيخ! ائت به بطريقة تتغنى بها
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب
وشخص يقول: لا.
هذا ليس جميلاً، هذا يُفتن.
وآخر يقول: لا.
ليس فيه شيء.
هذا هو الخلاف فقط، فأخذ الرجل هذا الخلاف وحمله على الأغاني كلها، وقال: أسمع أغاني فقط.
فبدأ الرجل يستمع إلى الأغاني، كان في البداية يأخذ بالملعقة، لكن يوم أن عاد أصبح يأخذ (بالكُرَيْك) وبدأ يسمعها، وقد أصبح قلبه مفتوحاً لها، وفجأة وإذا به ينزل وينزل وينزل، بدأ نزوله بترك الصلوات في المسجد، ثم نزوله الآخر بتركه الصلوات في البيت، ثم بالردة عن دين الله والكفر والعياذ بالله.
كيف بدأ؟! بالانهزام، ما فعل ما وعظه الله به: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:٦٦].
فلا تتوقع -يا أخي الشاب- أن يأتي أبوك أو أمك أو شيخك أو أستاذك أو زميلك، أو أن يأتي الداعية أو العالم ليقول لك: لا بد أن تفعل هكذا، ويشد على قلبك بمسمار، ويقول: خلاص! اثبت، لا.
بل أنت المسئول، هذا واقع ضمن دائرة اختصاصك، في أن تأخذ نفسك بالكمال وتبتعد بها عما حرم الله، وتجبرها على أوامر الله، حتى يثبتك الله تبارك وتعالى.
أما أن تنهزم وتقع وتضعف أمام الشهوات والشبهات، ثم تقول: والله أنا ما هداني الله، لا.
لقد شاء الله لك الهداية، ولكنك أنت الذي لم تُرد لنفسك النجاة في الدنيا والآخرة.
فهاتان وسيلتان من وسائل التثبيت على دين الله تبارك وتعالى.