[صرف السيئات عن عباده المؤمنين وتوفيقهم للطاعات]
ومن مظاهر رحمته تبارك وتعالى بالأمة، وبالمؤمن على وجه الخصوص: أن يصرف الله عنك السيئات، بحيث يوفقك للطاعة، ويصرف عنك السيئة.
ويجعل عينك هذه عيناً طاهرة؛ إذا رأت المرأةَ تغُضُّ.
ويجعل أذنك أذناً نظيفة؛ إذا سَمِعَتِ الأغنيةَ تغلقُ.
ويجعل لسانك لساناً طاهراً؛ لا يتكلم إلا بذكر الله، وبالعمل الصالح، وبالكلمة الطيبة، لا يلعن، ولا يسب، ولا يشتم، ولا يغتاب، ولا يكذب، ولا يحلف، ولا، لسانك لا يقول إلا خيراً.
ويجعل يدك هذه نظيفة عفيفة؛ لا تمتد إلا إلى الفضائل ومعالي الأمور.
ويجل رجلك هذه طاهرة؛ لا تحملك إلا إلى المسجد والطاعة والعمل الصالح.
ويجعل فرجك طاهراً نظيفاً؛ لا يقع إلا فيما أحل الله له.
ويجعل بطنك هذه نظيفة؛ لا يدخله إلا ما أحل الله.
ويجعلك كلك من أولك إلى آخرك على الطاعات، ويمنعك من السيئات، هذه رحمة أم ليست رحمة؟! نعم رحمة.
اسمعوا ماذا يقول الله عزَّ وجلَّ عن الملائكة: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر:٧] هؤلاء الملائكة في السماء، وأنت جالس هنا، وهم يستغفرون لك في السماء فاغفر لمن؟ لمن توفرت فيهم صفتين: {لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر:٧] وبعد التوبة؟ {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ثم تقول الملائكة: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر:٧ - ٩] تطلب الملائكة من الله أن يقيك السيئات، وأن يصرف عنك المعاصي والذنوب: {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:٩].
هذا هو الفوز العظيم، أن يقيك الله السيئات، وتصبح آلِيَّ العبادة والطاعة، كأنك مركب على أزرار؛ من بيتك إلى مسجدك إلى عملك، إذا رأيت معصية تهرب منها، وإذا رأيت طاعة تقبل إليها، فأنت من رحمك الله، {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:٩] أي: الذي ما وقاه الله السيئات ما رحمه الله، وما ناله نصيب من رحمة الله، فمن الناس من لا يعرف الطاعات أصلاً، ولا يتعرض للطاعات، وإنما هو واقع في المعاصي والسيئات منذ أن تستيقظ عينه حتى تنام، فهو يستيقظ على معصية الله، وينام على معصية الله؛ يستيقظ ويده على السيجارة، يحسب الباكت، يبحث عنه وهو ما زال مُغْمِضاً عينيه، من أجل أن يشعل الدخان، ويستيقظ ويده على مؤشر الراديو لكي يستفتح النهار بأغنية، أو على الشريط، وعندما يركب السيارة يشغل الأغنية، فيذهب إلى العمل على الباطل، ويمشي في الشارع على الباطل حياته كلها معاص في معاص؛ لأنه حُرِم من رحمة الله عزَّ وجلَّ.
إذاً: يا أخي الكريم: تعرَّض لرحمة الله عن طريق فعل الطاعات وترك السيئات، وهذه تقتضي منك مجاهدة؛ لأنك إذا جاهدت نفسك في ترك المعاصي، والابتعاد عن السيئات، وممارسة الطاعات، فكأنك تستمطر رحمة الله؛ يا ربِّ هات رحمة منك، وأنت مأمور بهذا، لكن عندما تأتي الطاعة إليك فتقول: لا، وتُعْرَض عليك المعصية فتقول: هيا، فكأنك ترد رحمة الله، وتستمطر غضب الله ولعنته وسخطه في الدنيا والآخرة.
كما قال الله تبارك وتعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:١٣٢].