[سبب كون القرآن من قوارب النجاة]
لأن الكتاب هو الذي ربط الأرض بالسماء، فبعد نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم أصلح الله الأرض، قال الله عز جل: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [الأعراف:٥٦] بم أصلحت الأرض؟ أصلحت بالرسالة، وبتعاليم السماء، والتوجيهات الربانية، كانت الأرض عبارة عن غابة، شريعة الغاب هي التي تحكمها، القوي يأكل الضعيف، سلب وقتل ونهب، وزنا وخمور وفجور، وجور وميسر وقمار كل ما شئت من المعاصي موجود في الأرض، لماذا؟ لأنه لا توجد شريعة تحكم، ولا توجيهات توجه من الله.
حتى بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ونزل عليه الكتاب الكريم، فأصلح الله الأرض بتعليمات السماء، وضبط مسارات الناس، وجعل لكل واحد مساراً، عينك لها مسار تنظر بها في مساراتها، لا تنظر بها إلى شيء آخر، عينك هذه أمانة في رأسك، يقول الله عز وجل: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:٨ - ١٠] مادامت العين لله وليست لك، ولا ركبتها أنت في رأسك، ولا اشتريتها من السوق، بل هي من الله، فالله هو مالكها وآمرها، أمرك الله بأمر ونهاك عن نهي ما هو؟ أمرك أن تنظر بعينك هذه في ملكوت السماوات والأرض، قال عز وجل: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس:١٠١] {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:٦]، وأمرك بأن تنظر بها في مصالحك، وأن تنظر بها في كتاب ربك وفي سنة نبيك وفي هديك وتعاليم إسلامك، ونهاك أن تنظر بهذه العين إلى ما حرم عليك، لا تنظر بها إلى محارمه؛ لأن الله يغار على محارمه، ومحارمه أن تأتي ما حرم، لا يجوز لك أن تطلق عينك في امرأة لا تحل لك، لماذا؟ لأنك تعذب قلبك.
والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغير موقوفاً على الخطر
يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحباً بسرور عاد بالخطر
فأنت إذا فتحت عينك على النساء رأيت أشكالاً وألواناً وموديلات جديدة، ومن ثم لا تقدر عليها ولا تصبر عنها، وبالتالي تنعكس على قلبك الهموم والمشاكل وتعيش معذباً، وأكثر الذين يفتحون عيونهم في الحرام الآن يعيشون في عذاب، يخرج من بيته وليس في قلبه هوىً واحداً، لكن يذهب إلى السوق أو المعرض ويرى واحدة فترميه بعينها ويرميها بعينه، فيرجع إلى البيت وهو مريض، لا يتعشى ولا ينام ولا يفعل شيئاً، ما بالك؟ قال: آه، الله المستعان! ماذا حصل؟ ما الذي احترق في الدنيا؟ احترق قلبه، ما الذي أحرق قلبه؟ النظرة المحرمة:
كم نظرة فعلت في قلب ناظرها فعل السهام بلا قوس ولا وتر
وأنت إن أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
ويقول الآخر:
وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل
فالله من أجل أن يحميك أنت ويحمي حرمات الناس حرم عليك النظر، وقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:٣٠] وقد يأتي شخص ويقول: لماذا؟ قال الله: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:٣٠] والذي يعيش في تعليمات هذه الآية ويغض بصره ولا ينظر إلى الحرام يعيش في سعادة وفي راحة عظيمة ليس بعدها راحة.
ولكن قد يقول قائل من الشباب: ماذا أعمل أنا؟ كيف أعمل بغرائزي؟ وماذا أفعل بإمكاناتي؟ أنا شاب وأحب الجمال، وأريد النساء وأريد أن ألتفت؟ نقول له: تلفت، لكن متى؟ أخِر النظر إلى أن تتزوج، فإذا تزوجت ودخلت عليك زوجتك في غرفتك وأقفلت الباب، ابلعها بعيونك، لماذا؟ لأنك تنظر إلى شيء بيدك، وفي إمكانك أن تصل إليه، ولكن عندما تلتفت إلى شيء بيد الناس، مثل واحد يموت جوعاً والناس معهم طعام في قدورهم، وهو جالس يشم، ما رأيكم هل الشم يغذيه ويشبعه؟ بل يقطع قلبه، ماذا نقول له؟ نقول له: قل: باعدوا قدوركم هذه منا، دعونا على خبزتنا وكسرتنا؛ فإن هذه الروائح قطعت قلبي، وما شبعت من الرائحة.
ونحن نقول للناس: ذلك أزكى لكم، أن تغضوا أبصاركم عن الحرام؛ فإن من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم غضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وصونوا أسماعكم، ذلك أزكى لكم.
فالله عز وجل حينما أنزل القرآن ربط الأرض بتعليمات السماء، وأصبح الناس وهم في الأرض يعيشون، لكنهم يعيشون وهم معلقون بالله، عيونهم في الأرض لكنها عيون ربانية لا تنظر إلى حرام، أسماعهم في الأرض لكنها أسماع ربانية لا تستمع الحرام: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:٣٦] {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ} [الأحقاف:٢٦] {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:٧٨].
فبتلاوة الكتاب، وبالارتباط بالله عن طريق القرآن تنجو، لماذا؟ لأنك تصبح عبداً ربانياً لست عبداً شهوانياً شيطانياً تحكمك شهواتك، وتسيطر عليك غرائزك، وتسيرك نفسك، ويمشيك شيطانك، الآن الذي ينفلت شيء واقع ما للواحد خيار فيه، إما أن تلتزم بدين الله فتكن مع الله، أو تنفلت عن الدين فتكن مع الشيطان، كبديل لا بد منه، لا يوجد شخص يقول: لا والله أنا لا أريد أن ألتزم بدين الله، وأيضاً أنا أريد أن أبقى حراً من الشيطان، لا.
ما من أمر لله إلا ويقابله أمر للشيطان، فلمن تكون؟ خير لك أن تكون لربك أم لعدوك؟ لخالقك أم لمخرجك من الجنة؛ الذي أقسم عليك أن يردك إلى النار، وقال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:٨٢]؟