عقوبة المعاصي والكفر تأتي في الدنيا قبل الآخرة، يقول أحد السلف:[والله لو يعلم أهل الجاه والسلطان ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف].
والآخر يقول: مساكين أهل هذه الدنيا جاءوا إليها وخرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: التلذذ بطاعة الله عز وجل، فهذه في الدنيا، وليست الدنيا بالنسبة للآخرة إلا كقطرة من بحر.
ورد في الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام:(ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم ثم ينزعها فلينظر بم ترجع) البحر بجوارك هنا، إذا أتيت على طرف الخليج وأدخلت إصبعك في البحر ثم نزعتها كم تخرج إصبعك من ماء؟ قطرة قطرتين ثلاثاً هذه الدنيا، والآخرة أين هي؟ الذي وراءها من الماء، كم وراءها، الخليج فقط؟ انظر! الخليج خط فقط، انظر في البحر العربي الذي تحت، وانظر في البحر الأحمر والأبيض والمحيط الهادي والأطلسي، والمحيط الهندي، والمحيط المتجمد الشمالي، والمحيط المتجمد الجنوبي ثلاثة أخماس الأرض كلها ماء، هذه نسبة الدنيا قطرات إلى تلك؛ فتلك الآخرة، أفتضيع سعادة الآخرة من أجل شهوة عاجلة مثل هذه القطرات الضعيفة؟ ولذا يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، يقول الله تعالى:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}[مريم:٣٩] لأن القلوب تتقطع ألماً وحسرات على ما فاتها من رضا الله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}[مريم:٣٩ - ٤٠] يوم يموت الإنسان يصبح سمعه دقيقاً، وبصره حديداً، يقول الله عز وجل:{أسمعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}[مريم:٣٨] صيغة تعجب هنا، فلان أسمع به، يعني: ما أسمعه! أبصر به، يعني: ما أبصره! فيوم القيامة يقول الله تعالى: {أسمعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}[مريم:٣٨] ما أسمعهم لنداءات يوم القيامة! ما أبصرهم لأحداث يوم القيامة! يقولون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ}[السجدة:١٢] لكن لا ينفع، يقول الله تعالى:{فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق:٢٢] يرى المسألة عياناً فيطلب الرجعة ولكن لا يجاب عليها.