[تشبيه المنتكس بالكلب في كثرة مساوئه]
أيها الإخوة: الكلب ضُرِب به المثل في هذا لسوئه، فإن فيه من السوء ما لا يعلمه إلا الله، ضَرَب الله عز وجل لمن ينتكس ويترك الإسلام والدين ويرجع إلى طريق الغواية مثلاً بالكلب، وفي الكلب من السوء الشيء الكثير: أولاًَ: من سوء الكلب أنه إذا سمَّنته وأطعمته أكلك، وإذا أجعته وضربته تبعك:- ولهذا قالت العرب: (سَمِّن كلبك يأكلك، وأجع كلبك يتبعك) إذا أجعته وأهنته بقي في خدمتك، وإذا سمنته وأكرمته رجع ليأكلك، وهذا سيئ، والعياذ بالله! ثانياً: يُضْرَب به المثل في اللؤم والطمع: تقول العرب: (ألْأَم من كلب على جيفة) لو أن هناك جيفة جمل وجاء كلب لوحده، تراه يأكل وينبح، يخاف ألا يأتيه كلب ثانٍ، والجيفة تكفيه وتكفي (مائة) كلب معه؛ لكنه لئيم، لا يريد أن يأكل إلا هو.
ولذا فالذي يترك الدين لئيم، فيه من لؤم وحقارة ودناءة الكلب ما فيه؛ لأن الله هو الذي ضرب المثال له: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف:١٧٦] حينما ينسلخ الإنسان من الدين، ويترك هذه الكرامة وهذه العزة وهذا السؤدد والمجد لأهل الإيمان والعمل الصالح، فإنه يعيش درجةً أسوأ ما يمكن وهي درجة الكلاب والعياذ بالله! ثالثاً: الكلب مِن سوئه: أنه يكره المطر: لا يحب المطر، والسبب كما قال العلماء: لأن الكلب إذا غرق أنتن ريحُه، فإذا ابتل ظهره وصار الماء عليه ظهرت له رائحة كريهة، ولذا أكره شيء عنده إذا رأى المطر، وإذا رأى السحاب بعيداً قام لينبح، ولهذا يقولون: (لا يضر السحاب نبح الكلاب) السحابة في السماء وهو ينبح في الأرض؛ لأنه يريدها ألا تمطر، لا يريد السحابة أن تمطر فينبحها! بعقليته الضالة، وهو من حين أن يرى السحابة فإنه لا يريد المطر حتى لا ينتن ريحه، ولهذا يقول الشاعر وهو يصف امرأته -لأن المرأة من خصائصها، ومن أبرز صفات المرأة الناجحة ذات التبعُّل الحسن مع زوجها، أنها تكون ذات رائحة طيبة، ولذا حُرِّم على المرأة المسلمة إذا خرجت أن تتطيب حتى لا تفتن الناس بريحها؛ لكنها إذا دخلت بيتها يُشْرَع في حقها أن تكون كالزهرة عبقة الرائحة، حتى إذا مر من عندها زوجها يجد لها ريحاً؛ لكن هذا الشاعر كأن زوجته ما كانت تريده، وما كانت تتطيب، فشم رائحتها وإذا بريحها ليس جيداً- فيقول فيها:
ريحُ الكرائم معروفٌ له أرَجٌ وريحُها ريحُ كلبٍ ناله مطرُ
يقول: ريحها مثل الكلب الذي جاء عليه مطر، فطلعت رائحته من جلده -والعياذ بالله- فما أسوأ من الكلب ريحاً إذا ابتل ونزل المطر، رغم أن المطر رحمة، المطر كل الأرض تفرح به، الأرض تستقبله، والنبات ينبت، والزهور تتفتح، والخيرات تكون موجودة، والحيوانات والبهائم ترعى، أما الكلب فلا، الكلب لا يرعى، من حين أن يرى السحابة في السماء يقوم لينبح، ينبحها حتى لا تُنْزِل مطراً على الناس.
فهذا من سوئه، ولذا ضرب الله به مثلاً بأنه يكره الرحمة المهداة، يكره الدين الذي جاء به سيد المرسلين، فهو رحمة وغيث، كما أن المطر غيث الأرض، كذلك الدين غيث القلوب، وهذا الكلب لا يريده ويعرض عنه، وينسلخ منه، فمثله مثل الكلب.
رابعاً: الكلب معروف بالخسة والخيانة:- لو جاء لص يريد أن يسرق بيتاً وفيه كلب، فلو أعطى الكلبَ قطعة لحم فإنه لن ينبح، يقعد ليأكلها؛ لأن ذاك يعطيه؛ فإذا أعطاه اللص لحمة أحسن فإنه يسكت عنه.
ثم إن في الكلب خصلة ذميمة وهي: أنه يسهر في الليل وينام في النهار: لا ينام في الليل، طوال الليل ينبح، فإذا جاء وقت صلاة الفجر نام إلى العصر.
ويوجد في بعض الناس الآن شبهٌ من هذا الشيء، تجده طوال الليل وهو (يفحِّط) في الشوارع، ويسهر على الأرصفة، ويتابع الأفلام، ويشاهد المباريات، وإذا قيل له: نم، قال: والله ما جاءني النوم.
فإذا أتى وقت صلاة العبادة صلاة الطاعة صلاة الفجر آخر الليل، حين نزول الرب تبارك وتعالى، حين نزول الرحمات نام عن صلاة الفجر، وعن صلاة الظهر والعصر، واستيقظ قرب الغروب، وقام وأخذ سيارته وذهب مثل كلب البدو، لا ينام في الليل وينام في النهار، هذا -والعياذ بالله- من عكس الفِطَر، فقد جعل الله الليل سكناً، وجعل النهار معاشاً، فتسكن في الليل، وتنتشر في الأرض في النهار؛ لكنك إذا قلبتَ المسألة، وصرت تسكن في النهار وتنتشر في الليل، فمن الذي ينتشر في الليل؟! يقول العلماء: لا ينتشر في الليل إلا الهوام والسباع الضارة؛ الحيات، والعقارب، والثعابين، والأسود، والنمور، متى تخرج؟ تخرج في الليل، وتكمن في النهار؛ لأنها إذا خرجت في النهار تعرضت للقتل؛ لأنها مؤذية، فتخرج في الليل.
وكذلك هذا الرجل الذي لا يقوم بطاعة الله عز وجل يكمن في النهار، ولا يخرج إلا في الليل، لماذا؟ لأنه حيوان ضار، يذهب فيتعرض لمحارم الناس، ويعتدي على أموال الناس، ويعمل أشياءً تضرهم، ولا يجد مجالاً لأن يعمل هذا الشر في النهار، فيخرج فيه في الليل، ويتشبه بالبهائم والسباع والحيوانات والحشرات الزاحفة، التي تضر الناس ولا تنفعهم.