للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[يوم التلاق]

من أسماء يوم القيامة: (يوم التلاق).

لأنه تلتقي فيه الخلائق كلها، حتى إن آدم عليه السلام يلتقي بآخر من يخلق من ذريته من بنيه، آدم أول إنسان مخلوق، وآخر مخلوق من ذريته يلتقي به يوم القيامة، تلتقي الأم بولدها، والأب بولده، والأخ بأخيه، لكن كل واحد يلتقي بمن يعرفه ويفر منه عندما يراه: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٧]، كل شخص لا يريد الصديق في ذلك اليوم؛ لأن الصديق لا ينفع صديقه بل يضره، ولاحظ إذا كنت في الرياض منقطعاً وما عندك شيء تبحث عن صديق أو أحد من الجماعة أو الأقارب لعله ينفعك ويشد من أزرك، لكن يوم القيامة لا تريد أمك ولا أباك، لماذا؟ لأن كل واحد يقول في ذلك اليوم: نفسي نفسي، وورد في الحديث: (أن الأم تأتي إلى ولدها فتقول: أنا أمك؟ قال: نعم.

قالت: غذيتك بلبني؟ قال: نعم.

قالت: كان حجري لك مهاداً، وكنت أعطيك وتعدد عليه النعم، قال: نعم.

قالت: أسألك بحق أمومتي عليك أن تعطيني حسنة واحدة ترجح ميزاني، قال: نعم أنت أمي، وغذيتني، وأعطيتني، أسألك بحق بنوتي لك إن تعطيني أنتِ حسنة) تريد هي منه حسنة، فيريد هو منها حسنة، فيفر وهي تفر، ما أحد ينفع أحداً يوم القيامة، ولا ينفعك إلا عملك.

يوم التلاق يقول الله عز وجل فيه: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:١٥ - ١٧] فالناس يلتقون يوم القيامة من أولهم إلى آخرهم.

وقيل سمي (يوم التلاق)؛ لأن أهل السماء يلتقون مع أهل الأرض، ومعروف أن أهل السماء ينزلون، قال الله: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً} [الفرقان:٢٥] {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن:٣٧] ملائكة السماء الدنيا ينزلون على الأرض فيحيطون بها من جوانبها كلها، والخلائق كلهم في الوسط، ثم يأذن الله لملائكة السماء الثانية فينزلون، فيكونون أعظم من أهل السماء الدنيا، وأعظم من أهل الأرض، فيحيطون بها كلها، ثم ينزل ملائكة السماء الثالثة، فكل سماء ينزل منها من الملائكة أعظم من الذين كانوا قبلهم كلهم: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً} [الفرقان:٢٥] في ذلك اليوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض.

وقيل: سمي (يوم التلاق) لأن فيه يلتقي الخلق بالخالق تبارك وتعالى في ذلك اليوم الرهيب.

وقيل: يلتقي الظالم والمظلوم، والقاتل والمقتول، والصالح والطالح، في ذلك اليوم يلقى كل عاملٍ ما عمل من خير أو شرٍ، يا عامل اعمل ما تشاء فإنك ملاقيه، لن تجد إلا ما عملت: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:٥٢].