[باب اللسان]
الباب الأول: وهو أوسع وأخطر باب وأهم باب على دين العبد (اللسان): فهذا اللسان أخطر شيء عليك، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من يضمن لي ما بين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة) فقد ضمن لك الرسول صلى الله عليه وسلم أن تحفظ لسانك ويدخلك الجنة، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب، ورب كلمة قالت لصاحبها: دعني) بعض الناس يقول: الكلام بسيط! لا.
فالكلمة ليست بسيطة، الكلمة لها أهميتها! الكلمة تدخل النار وتدخل الجنة، الكلمة تشعل حروباً، وتثير الفتنة، وتقيم مشاكل! لا.
ولهذا قال الله تعالى للناس: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:٥٣] لا تتكلم بأي كلام إلا أحسن شيء، وأحسن هنا للتفضيل {يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:٥٣] ابحث عن أحسن عبارة وقلها، حتى مع زوجتك وزملاؤك وأولادك، فلا تبحث عن الخبيثة، وبدلاً من أن تقول لولدك: (انهض.
الله يأخذك) قل له: (انهض.
الله يهديك)؛ لأنه لو أخذه الله هل ترضى؟!! وبعض الناس يقول: (قم عمى) لماذا تدعو عليه بالعمى؟ والله لو عمي ولدك لذهبت به إلى كل المستشفيات، فلماذا تقول له: (عمى) وبعضهم يقول: (قم.
الله يجعلها في وجهك) وزوجته تدعوه فتقول: فلان، قال: طاعون، لماذا طاعون؟ أعوذ بالله، لماذا لا تقل: لبيكِ، قال: أقول لها لبيك، لماذا؟ لا.
إنها زوجتك: (خيركم خيركم لأهله) أفضل من تقول له لبيك: أمك وأبوك وزوجتك، من يخدمك ويربي ولدك إلا زوجتك، ومن يقضي غرضك إلا زوجتك؛ لها فضل عليك كبير، إذا ذهبت إلى بيت أهلها كيف يصبح بيتك؟ يتحول بيتك إلى مقبرة، ترجع من الدوام وكل شيء في غير مكانه، والطعام غير جاهز، والفرش غير منظمة، والغرفة مبعثرة؛ مخدة في زاوية وبطانية في زاوية، تقول: ليت أم الأولاد موجودة لتنظم وتنظف وتطبخ.
فهذه زوجتك تقوم بكل هذه الخدمات معك، لماذا لا تحسن القول معها؟ والذي ليس فيه خير لزوجته ليس فيه خير للناس، فبعض الناس يتظاهر بالخير أمام الناس لكن يقول العلماء: إن المحك الحقيقي لأخلاق الإنسان، وإذا أردت أن تقيم إنساناً فاسأل عنه أهل بيته، فإن أثنوا عليه ففيه خير، وإن ذموه فليس فيه خير، لماذا؟ لأنك تسفر عن طبيعة خلقك في بيتك، أما مع الناس فيمكن أن تتصنع وتتظاهر بالمجاملات، ولهذا ترى أكثر الناس في بيته يكلم امرأته بوجه -كالأسد- عبوس، ولا يتكلم بكلمة طيبة، فإذا دق التلفون ورفع السماعة ودق عليه أحد الناس قال: أهلاً! مرحباً! كيف الحال، (عساك طيب) حتى تقول: هذا من الملائكة لحسن أخلاقه، فإذا وضع السماعة قال: يا امرأة: افعلي الشاي.
انهضي.
أعوذ بالله! كيف التحول من حال إلى حال؟ لماذا لا تقول: يا أم فلان: عندك شيء؟ أريد بعض الشاي، يبارك الله فيك، الله يحفظك! الكلمة الطيبة صدقة، ولكن بعض الناس لا يزن عباراته، ولهذا -أيها الإخوة- أخطر شيء عليك اللسان:
احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الأقران
احفظ لسانك من الكذب، فإنه يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، والرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.
واحفظ لسانك من الأيمان الفاجرة، فإن هناك يميناً تسمى: اليمين الغموس، وهي: التي يحلف بها صاحبها وهو يعلم أنه كذاب، وبسببها يغمس في النار.
احفظ لسانك من المواعيد المخلفة احفظ لسانك من الغيبة وخصوصاً غيبة العلماء وأهل الفضل، فإن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في الذين ينالون منهم معلومة، ومن ابتدرهم بالثلب ابتلاه الله قبل الموت بموت القلب والعياذ بالله.
احفظ لسانك من النميمة، وهي: نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد.
احفظ لسانك من القيل والقال، والتدخل فيما لا يعنيك، والخوض فيما لا يهمك.
قال صلى الله عليه وسلم والحديث صحيح: (من يضمن لي ما بين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة) وفي الحديث الآخر في الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم: (أكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج) وهذا أول باب، فاحفظه.
وأنت أعرف بنفسك، وأنت بعدم حفظه تبدد الحسنات وتجمع السيئات، كم من حسنة يفعلها شخص ولكن ما معه منها شيء، كلما عمل حسنة أخذها الناس؛ لأنه يتكلم في الناس ويسب الناس، يقول صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس عندنا من لا دينار له ولا درهم، قال صلى الله عليه وسلم: لا.
المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات كالجبال، ولكن يأتي وقد سب هذا، وشتم هذا، وهتك عرض هذا، وأكل مال هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، حتى إذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار).
أجل.
لا تضع حسناتك -يا أخي- ولا تتكلم بكلمة واحدة إلا وقد عرفت مغزاها، وهل هي ترضي الله أم لا؟ قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) إذا أردت أن تتكلم فاعرض الكلام على قلبك، فإن كان حقاً قلته، وإن كان باطلاً رددته، وإن كان: لا حق ولا باطل فاسكت عنه، فإن غايته أن تضيع حياتك في الكلام الفارغ الذي ليس حقاً ولا باطلاً، والذي لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا هو الهراء.