[الإنسان مجبول على الخطأ]
لست ملكاً مطهراً، ولا بشراً معصوماً، إنما أنت بشر تنازعك القوى، وتتجاذبك الأهواء، وتتغلب عليك طبائعك، فتسموا أحياناً وترتفع، وتنزل أحياناً وتخلد، أجل عليك ألا تستجيب باستمرار لداعي الهبوط، بل صحح خطأك، وعالج مرضك، واغسل ذنبك، واستأنف السير مع ربك من جديد، يقول عليه الصلاة والسلام وهو يبين طبيعة البشر: (كل ابن آدم خطَّاء -الخطيئة هي شأن بني آدم ولكن- وخير الخطائين التوابون) هذا الحديث رواه ابن ماجة والحاكم والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(كل ابن آدم) وأنت من بنيه، أتريد أن تبقى ملكاً لا تخطئ ولو مرة واحدة؟ هذا غير ممكن! لا يوجد أحد في الدنيا لا يخطئ، كلكم خطاء، ولكن الخطيئة في حياة المسلم عارضة وفي حياة الفاجر ثابتة الخطيئة ملازمة لذاك أما المسلم فلا، تعرض له فقط، ولكن يتوب مباشرة منها (وخير الخطائين التوابون) هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم.
ويقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح مسلم: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) وبسط اليد من قبل الرب هو عملية استعجال، أنت اليوم أذنبت في النهار والله في هذه الليلة يبسط يده لجميع المسيئين والمذنبين ارجعوا بسرعة، ارجع ولا تستمر في المعصية.
وبسط اليد يعني: دعوة من الله تعالى لعباده ولذا قال: (يبسط يده بالليل) لمن؟ ليس للصالحين، وإنما للمسيئين: (ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل).
إلى متى؟ (حتى تطلع الشمس من مغربها).
والله عز وجل وهو يعلم طبيعة البشر وضعف الإنسان يقول في كتابه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] ويقول وهو يحدث عن أبي البشر آدم عليه السلام: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:١٢١ - ١٢٢] ويقول: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:٣٧].
هذه الكلمات التي قالها آدم هي قول الله عز وجل: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣] لما قالها تاب الله عز وجل عليه وهدى، ولم يقلها إبليس، مع أن المعصية كانت مشتركة؛ المعصية من إبليس رفضه السجود، والمعصية من آدم أكله من الشجرة، وترتب على هاتين المعصيتين وهي ترك الأمر من قبل إبليس: اسجد.
فما فعل الأمر، وفعل النهي من آدم: لا تأكل، فأكل، وهما أساس المعاصي في الدنيا كلها، ليس هناك معصية إلا أن تفعل محذوراً أو تترك مأموراً، وترتب على هاتين المعصيتين أن الله قال لآدم وإبليس: {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:١٢٣].
إبليس لم يتب بل طلب الإنظار من أجل الإضلال: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [ص:٧٩] قال الله تعالى له: {فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [ص:٨٠] أما آدم قال: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣] فلما قالها وتلقى هذه الكلمات من الله عز وجل تاب الله عليه، قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:١٢١ - ١٢٢] وقال له وللناس أجمعين في خطابٍ رباني كريم منه عنوان المحاضرة: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} أي: أكثروا {عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:٥٣ - ٥٤].