[الباب الثاني: عند ورود المعصية]
إذا مرت عليك معصية من المعاصي فإن الشيطان يقوم بدور الوسيط في سبيل إضلالك بهذه المعصية، تخرج إلى السوق وتمر امرأة كاشفة متبرجة ويقع بصرك عليها، فيأتيك الشيطان ويقول: انظر، ولكن إذا جاءك هذا الشعور قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
شكا إلي شاب من الشباب هداه الله والتزم، وجاءني في يوم من الأيام إلى المسجد وقال لي: يا شيخ! الحمد لله كل شيء طيب وأنا استطعت أن أتخلص من كثير من الذنوب، ولكن بقي شيء صعب عليَّ، إذا خرجت إلى السوق أو رأيت امرأة أحس أن قوة خارجة عن قوتي تلف رأسي غصباً عني إليها، إبليس ماسك (الدركسون) يلفه مع المرأة، كيف أصنع؟ قلت له: أعطيك علاجاً ولكن تعمل به؟ قال: ما هو، قلت: إذا أحسست بهذه القوة قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فذهب الرجل وبعد يوم جاءني، وقال لي: جزاك الله خيراً، قلت له: ماذا بك؟ قال: والله ذهبت أجرب هذه الليلة، وذهبت إلى السوق لأشتري أغراضاً فرأيت امرأة فغضضت بصري خوفاً من الله، ولكن شعرت أن هناك ما يجذبني نحوها فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا بي أنجح.
يقول الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:٢٠٠] إذا جئت في الليل وأنت نائم، تمر يدك في مؤشر الراديو على أغنية من الأغاني وأنت تعرف هذه الأغنية من الماضي والشيطان يحببها لك، فلا تقف عندها بل أسرع بيدك واهرب من إبليس وقف على إذاعة القرآن الكريم وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وإذا سلمك أمين الصندوق الراتب وأعطاك ستة آلاف أو سبعة آلاف وعددتها وإذا بها زائدة مائة ريال، وعددتها مرة ثانية وثالثة وإذا بها زائدة مائة ريال، والشيطان يقول: حق الحكومة، يا رجل! الناس يأخذونها (بالكريكات) وأنت هذه فقط! من مال الحكومة! لا.
ليست هذه من مال الحكومة، بل مال هذا أمين الصندوق، وأمين الصندوق يدفعها من راتبه، كما أن مال الحكومة أيضاً ليس حلالاً، بل من أعظم الحرام، وإذا أخذته يكون من الغلول الذي يقول الله فيه: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:١٦١] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (لا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة وعلى رقبته بعير له رغاء، يأخذه من بيت مال المسلمين، فيقول: أغثني) يريد أن يأخذ الجمل من على رقبته؛ لأن الله تعالى يقول: {يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام:٣١] فشيء تأخذه اليوم تحمله يوم القيامة، (فيقول: أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء) شاة أخذها من مطعم، أو التغذية عشرة كباش كل يوم، لكن يذبح ستة والباقي للجيب الخاص، هذه كلها مقيدة مربوطة إلى أن تموت، يربطها الله في رقبتك كلها ويدخلك بها النار، (فيقول: أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة وعلى رقبته رقاع تخفق) يقول المفسرون: رقاع تخفق أي الملابس، بدلة أو كوت أو فنيلة أو شراب ليس لك، أي: لم يسلم لك، ولكن أنت أمين المستودع تُلبِس الجماعة كلهم، وتلبس بناتك وعيالك كلهم، هذه كلها تأتي بها يوم القيامة في رقبتك، والله لو دبوس واحد أو قلم أو ورقة تحضرها.
أحد السلف مات، فرؤي بعد موته فقيل له: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي، غير أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها ولم أردها.
فهو لم يسرقها ولكن فقط استعارها ولم يردها، كيف بالذي يأخذها من بيت مال المسلمين؟!! يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في البخاري في قصة غلام اسمه كركرة في معركة من المعارك جاءه سهم فمات، فقالوا: هنيئاً له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي غلها من المغانم -لم تصبها المقاسم- لتشتعل على ظهره في النار).
قال العلماء: إن هذه الشمله تساوي درهمين، فجاء رجل وقال: (يا رسول الله أخذت شراكين -شراكين من حق الغزو- فقال: شراكين من نار) مال الحكومة ليس سهلاً، لا تأخذ شيئاً من بيت مال المسلمين، مما أسند إليك ولو ورقة ولو قلماً ولو دبوساً، يكفيك راتبك فقط، فإذا جاءك شيطان يقول لك: المائة هذه خذها، قل: لا.
وردها إلى أمين الصندوق وقل له: هذه زائدة وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.