للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فوائد العلم بأشراط الساعة]

وقد يقول قائل: لماذا كل هذا التركيز في محاضرة كاملة ودروس مسلسلة عن هذا الموضوع، ما هي الفائدة؟ نقول: الفائدة ما يلي: أولاً: أن الإخبار بهذه العلامات إذا تحققنا صدقها حققنا جزءاً من الإيمان بالله وبرسول الله، إذ كيف نؤمن بالله وبرسوله ثم لا نصدق خبره؟! قال الله عز وجل: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:٢ - ٣] فإذا أردت أن تعرف مقدار إيمان إنسان فإنك تسأله عن العلامات، فإذا آمن بها فهذا إيمانه مطلق، كامل؛ لأنه آمن بما أخبر به الله، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، ففي ذكرها فائدة وهي زيادة الإيمان، إذ كلما عرفت الفائدة ازداد إيمانك، هذه فائدة.

ثانياً: أن وقوع تلك المغيبات على النحو الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وحدَّثت بها الآيات أو السنن، يعتبر مثبتاً للإيمان؛ لأنه يعطيك دليلاً على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أنه مرسل من عند الله، وعلى أنه لا ينطق عن الهوى، وإلا فمن الذي أخبر بهذا الخبر إذا لم يكن رسولاً؟ هذا يقوي الإيمان كما قلت لكم في حديث الصنفين الذين من أهل النار والذي منهم نساء كاسيات عاريات، وقد رأيناهن وماكن موجودات في الماضي، من أخبر الرسول؟ إنه الله، فهذا رسول من عند الله عز وجل.

والمسلمون منذ موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يشاهدون وقوع أحداث أخبرت بها الأدلة مطابقة لما جاء الخبر بها، فقد شاهد الصحابة رضي الله عنهم انتصار الروم على الفرس، قال الله: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم:٢] هذا خبر عن شيء حدث في عهد الصحابة: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:٣] متى؟ قال الله: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم:٤] البضع من واحد إلى عشرة، وفعلاً لم تمض ست سنوات إلا وقد غلبوهم، ثم أخبر الله أن الغلبة ستكون للمسلمين على الفرس والروم؛ لأن الله قال: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم:٤ - ٥] على من؟ على الروم والفرس.

من أخبر بهذا؟ الله عز وجل في القرآن الكريم وحدث هذا، فهذا يزيد إيمانك بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من كان يتصور أن أمة العرب تنتصر على الفرس والروم بالموازين البشرية والخرائط الأرضية التي تضعها أيدي البشر مستحيل؛ لأن العرب كانوا أهل بادية، حفاة عراة، يعيشون في وسط الجزيرة العربية، استطاعت الفرس أن تصل إلى حدود اليمن؛ لأن اليمن السعيد فيه الجبال، وفيه المزارع والهواء الجميل، والروم استطاعوا أن يسيطروا على شمال الجزيرة العربية التي فيها المزارع والأنهار والأماكن الطيبة، أما وسط الجزيرة العربية فماذا فيها؟ صحاري قاحلة، ورمال مميتة، ولذا تركوها لأهلها البدو الذين لا حول لهم ولا قوة، بل كانوا إذا ضاقت بهم المعيشة يذهبون إلى فارس والروم يقتاتون ويأخذون الصدقات، فهل يعقل أن هؤلاء الأعراب يسيطرون على الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية ويهدونها عن بكرة أبيها في أقل من خمسة وعشرين سنة؟ أمعقول هذا بموازين الأرض؟ لا.

بل وما كان أحد يصدق هذا.

حتى إن الصحابي الذي وعده الرسول بسواري كسرى وهو سراقة بن مالك الذي كان ممن طلب النبي صلى الله عليه وسلم وطارده وقت الهجرة حتى يحصل على الجائزة التي وضعتها قريش لمن يأتي بخبر الرسول أو يأتي به حياً أو ميتاً، وضعوا جائزة مائة بعير، يعني مثلما نقول الآن: مائة مرسيدس؛ لأنها وسائلهم وأموالهم وخير ما يمتلكون، فخرج بعضهم يريد هذه الجائزة، وكان الذي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم سراقة، فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم دعا عليه فساخت قدما فرسه في الأرض حتى نشبت، فعرف أنه لا يستطيع الإمساك به فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يرفع فرسي ولن أخبرهم، فأخذ الرسول عليه العهد ألا يخبر قريشاً بالأمر وقال: (كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟!) وسواري كسرى من يلبسها؟! يلبسها هذا الأعرابي الذي يبحث عن مائة بعير؟! كأنك تقول لأحد الأعراب في أي منطقة: كيف بك إذا جلست على كرسي بوش، أو جورباتشوف، معقول هذا؟! لا يصدق بل يقول: هذا الأعرابي يأتي يجلس مكان ذاك! وفعلاً حقق الله نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي خلافة عمر بن الخطاب استطاع المسلمون أن يهزموا الرومان والفرس ثم جاءوا بإيوان كسرى، وجاءوا معه بسواره وأخذها عمر وسلمها لـ سراقة ولبسها تحقيقاً لوعد النبي صلى الله عليه وسلم.

فشاهد الصحابة هذا -وهذا يزيد في إيمانهم برسول الله صلى الله عليه وسلم- وشاهدوا كثيراً بعدها من النبوءات، ولا نزال نشاهد كل يوم خبراً يصدق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، مما يوحي ويثبت لنا بالأمر اليقين أن رسول الله لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

هذه الفائدة الثانية.

ثالثاً: من فوائد ذكر أشراط القيامة: تثبيت الإيمان بها ودعوة الناس إلى الاستعداد لها، إذ أنهم إذا رأوا علاماتها دفعهم هذا إلى الاستعداد لها، فقد تقوم عليهم القيامة فلا يماطلون، فيدفعهم الإيمان بها إلى أن يستعدوا للعمل بعدها.

رابعاً: بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم دالاً على الخير محذراً عن الشر، وقد دلَّ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على المنهج الأمثل الذي يلتزمونه عند حدوث بعض علامات الساعة، سواء كانت هذه العلامات من الصغرى أو الكبرى، وفي إخباره بالمغيبات المقبلة توجيه وتوعية للمسلمين من بعده كيف يتصرفون عند هذه الأحداث، ومن ذلك ما أخبر به عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فحذرنا من الدجال وفتنته، وأخبرنا أنه يمكث فينا أربعين يوماً: يوماً كسنة، ويوماً كشهر، ويوماً كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا هذه، فقال أحد الصحابة: يا رسول الله! كيف نصنع بالصلاة في اليوم الذي كسنة؟ -انظروا الاهتمام من الصحابة، ما قالوا: ماذا نأكل في ذلك اليوم الذي طوله كسنة، أو أين ننام؟! اهتماماتهم بالدين- قال: اقدروا له قدره) اقدروا لهذا اليوم قدره من الصلوات، لولا هذا الخبر لكان الواحد منا يقول ما دام كسنة أنا سأقدر له خمس صلوات، أصلي في كل شهرين صلاة، لا ليس كذلك.

بل قدر للسنة قدرها من الصلوات، يعني صلِّ في هذا اليوم صلاة سنة كاملة، اقدروا له قدره، أي: في اليوم الذي كأنه شهر مثلاً صل له صلاة شهر كاملاً، اقدروا له قدره وأعطوه ما يستحق من الصلوات، ومن كان سيعلم الصحابة هذا العلم لو لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم.