[نساء الجنة]
ولقد جاء التفصيل الكثير في الجنة فيما يتعلق بالنساء، يقول ابن القيم رحمه الله: وفي هذا سر بليغ، فإن أعظم لذائذ الحياة الدنيا هي النساء، ولهذا قدم الله عز وجل هذا في سورة آل عمران، فقال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران:١٤] ثم أباح الله الزواج الحلال وحرم الزنا، وحتى لا يتصور من يرفض الزنا ويستعف ويكتفي بما أحل الله عز وجل، حتى لا يتصور أنه محروم جاء التعويض له في الجنة والترغيب والتشويق بذكر ما أعد الله عز وجل له في الجنة بشكل ملفت للنظر، سمى الله نساء الجنة فقال: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:٥٨] وقال في آية أخرى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:٤٩] وقال في آية أخرى: {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:٢٣] وقال: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن:٧٠] وقال: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:٧٢] وقال: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:٥٦] يعني: وصف عظيم لنساء الجنة.
كما جاء الوصف في السنّة، يقول عليه الصلاة والسلام: (لكل مؤمن في الجنة زوجتان من نساء الدنيا) أما من الحور العين فعلى قدر أعماله، والحد الأدنى أن له اثنتان من نساء الدنيا، فإن كان عمله (١٠٠%) أخذ سبعين حورية، وإن كان عمله أقل من ذلك -مثلاً- أخذ خمسين حورية، يعني: يتفاوتون في الحوريات؛ لأن الحوريات أنشأهن الله إنشاءً: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:٣٥ - ٣٨] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
ولعلك تقول: مالنا ولنساء الدنيا؟! بعض الناس يقول: أنا أهرب -الآن- منها في الدنيا وتلقاني أيضاً في الجنة؟ وهناك شخص ماتت زوجته فلما ماتت وأراد أن يتزوج -ولم تمت حتى آذته- فلما ماتت قال له أحد أولاده: أسأل الله يا أبي! أن يجمعك بها في الجنة، فقال الأب: أسأل الله ألا يجمعني بها في الجنة! يقول: أن يجعلها في دار غير الجنة؛ لأنه كان قد ضاق ذرعاً بها.
ولعل شخصاً من الناس يقول: حسناً ما لنا ونساء الدنيا؟ نريد فقط نساءً حورياتٍ، وأما نساء الدنيا فلا نريدهن.
نقول: لا.
إن نساء الدنيا غير نساء الجنة؛ لأن الله تبارك وتعالى ينزع من النساء سوء الأخلاق، وينزع منهن جميع الصفات السيئة، ولا يبقى فيها إلا الخلق القويم الجميل؛ ولأن المؤمن لا يتلذذ التلذذ الكامل إلا بنساء الدنيا، فاعلم أن النساء المؤمنات المسلمات الصالحات اللاتي استقمن على دين الله وأدخلهن الله الجنة سيكن لك في الجنة خير وأجمل من الحور العين، وأجمل أيضاً في الأخلاق من الحور العين، وأن الحور العين خدم لهن، فالحورية في الجنة تكون خادمة للمؤمنة من نساء أهل الجنة، يقول الله عز وجل: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٧].
واعلم أن نساء أهل الجنة مطهرات، ليس كما كانت في الدنيا، سواء منهن المسلمات أو الحور العين، فلا بول ولا غائط ولا حيض ولا نفاس، ولا ولادة، وإنما أبكار، كلما جاءها زوجها رجعت بكراً كما كانت، فليس هناك شغل عند المؤمن إلا افتضاض الأبكار في الجنة، يأتيها بكراً ويذهب فيردها الله بكراً مرة أخرى، كيف؟ لا نعلم.
هذا نعيم أعده الله لأهل الجنة.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
يقول الله: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٢٥] ويقول: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:٥٦] وسماهن الله كواعب: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:٣٣]، وأتراب أي: في سن واحدة، وكواعب: يعني: ناهدات، أي: مرتفعات النهود.
أرأيت يا أخي! لو أن رجلاً أو شاباً أراد أن يتزوج وأخبره أحد الناس عن فتاة جميلة مهذبة ذات خلق ودين وجمال، فحببه إليها، حتى ازداد شغفاً لها ورغبة فيها، وبذل المال الطائل في سبيل الزواج منها، ولربما أدى هذا إلى إتلاف روحه في سبيل نيلها، وهذا رب العالمين -أيها الإخوة- أصدق المخبرين: {ِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:٨٧] يخبرنا عن الحور العين ويصفهن ويحببهن إلينا بما يجعلنا نرغب فيهن، ونعمل من أجل الحصول عليهن، والزواج منهن، فهل من خاطب -أيها الإخوة- في الحوريات؟ هل من راغب لهن في الجنة، إن كنت خاطباً فبرهن على صدقك بدفع المهر المقدم، إنه الإيمان بالله، إنه العمل الصالح، إنه اجتناب محارم الله.
ولا تكن كمثل ذلك الأعرابي الذي صلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أحسن الصلاة، صلى صلاة خفيفة ثم رفع يديه وقال: اللهم إني أسألك حوراء عيناء في الجنة، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (أحسنت الخطبة ولكنك أسأت المهر) تريد جنة وفيها حوراء عيناء بهذه الصلاة المضطربة! لا ينفع هذا المهر.
إن الجنة -أيها الإخوة- لا بد أن تدفع فيها المهر الغالي.
ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر
يقول ابن القيم رحمه الله:
فكن مبغضاً للخائنات بحبها لتحظى بها من دونهن وتسلم
ويا خاطب الحسناء إن كنت راغباً فهذا زمان المهر فهو المقدم
إن كنت تريد الحوراء فقدم المهر، وهو: الإيمان والعمل الصالح، والاستقامة على منهج الله، وإليك هذا الحديث الشريف الذي يزيدك حباً في الحوريات، يروي الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على الأرض لأضاءت ما بينها -يعني: ما بين الخافقين- ولملأت ما بينهما ريحاً -ما بين السماء والأرض- ونصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها) فما ظنك -يا أخي- إن كان خمارها خير من الدنيا وما فيها، وريحها يعبق ما بين السماء والأرض؟ فيا سعادة من تكن له هذه الزوجة! اللهم وفقنا للعمل الصالح والإيمان الصادق حتى نكون من أزواجهن برحمتك يا أرحم الراحمين! واعلم يا أخي! أن من في الجنة لا يحتاج إلى مرآة، فإذا كنت في الجنة فلا يوجد هناك مرايات لكي ترى شكلك ومنظرك، وإنما تنظر في وجهها وفي صدرها فترى وجهك في صدرها، وترى مخ ساقها من وراء الحلل كما ترى اللبن في القارورة، لا تخفيه حللها، ويحكى أن رجلاً من الصالحين لما سمع قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة:١١١] لما سمع هذه الآية، قال: الله اشترى مني ودفع لي الجنة، فقام وجاهد حتى وجدوه وقد قتل في سبيل الله عز وجل.