للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كظم الغيظ]

أيضاً من الذين يؤمِّنهم الله يوم القيامة: الكاظمون الغيظ، الذي يُسْتَثار ويُزْعَج ويُراد منه أن يغضب؛ ولكن أعصابه في ثلاَّجة -كما يقولون- كالجبل؛ لأن من الناس من هو مثل حبة الشعير، أقل حرارة تجعله ينقلب، هذا الذي ينفخ أو ينفث فيحرقُ نفسَه، ويحرق البيت ولا يبالي، ومن الناس من هو راسٍ، لا يتحرك أبداً، وإنما يتصرف تصرفات حكيمة.

فمن الناس من يثور لأتفه الأسباب ويطلق زوجته، ويضرب أولاده، ويلعنهم، ويفتعل مشاكلَ مع مديره، بل بعضهم يقتل، وبعضهم يفعل جرائم، ثم إذا رجع عقله قال: يا ليتني ما فعلتُ! لكن كن هادئاً، واكظم غيظك، فإن في كظم الغيظ منفعة في الدنيا والآخرة.

والمواقف الصعبة التي تمر بالإنسان ويصاب فيها الإنسان بالأذى كثيرة، وقد يكون مصدر هذه المواقف والأذى قريباً أو صديقاً أو محسناً؛ ولكن الأذى إذا سمعه الإنسان وأصابه ألَمَّ به في أعماقه؛ ولكن يضبط نفسه، ولا يطلق لنفسه العنان، ويضبطها، ويكتم غيظه، فقد عَدَّ الإسلام هذا الأمر من الأخلاق، يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:١٣٣ - ١٣٦].

فالله عزَّ وجلَّ يمنحك إذا عملت معصية وتبت منها الجنة على هذه المعصية، وعلى توبتك إلى الله عزَّ وجلَّ.

فكظم الغيظ خلق يجب أن تعود نفسك عليه؛ لأن يوم القيامة يدعو رب العزة والجلال من كظم غيظه على رءوس الخلائق، ثم يخيره من أي الحور شاء.

يروي أبو داوُد والترمذي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه، دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي حور العين شاء).

إذا كظمتَ غيظاً وأنت قادر؛ لكن خوفك من الله ومن أجل الله كظم غيظك، ليس جبناً ولا ضعفاً ولا خوراً، وإنما عقلاً وحكمةًَ وتؤدةً، ودائماً الذي يكظم غيظه يجد راحة، ويجد نتائج حسنة، والذي يندفع ويسرع يجد عذاباً ونتائج سيئة.

فما أعظم من كظم الغيظ! فكاظم الغيظ يدعو الله عزَّ وجلَّ صاحبَه على رءوس الخلائق، ثم يخيره من أي حور العين شاء.