[المجال الثالث: النظر والتأمل في المحرمات التي حرمها الله في كتابه]
المجال الثالث من مجال التأمل: هو مجال النظر والتأمل في المحرمات التي حرمها الله، ما من محرم حرمه الله إلا وفي تحريمه مصلحة، جاءت الشرائع كلها وفي نهايتها الشرع الإسلامي بحفظ الكليات الخمس لصالح العباد: الدين العقل المال النفس العرض.
فحفظ الدين بقتل المرتد: (من بدل دينه فاقتلوه) حفظ الله العقل بتحريم الخمور، وحفظ الله المال بقطع يد السارق، وحفظ الله الأنفس بقتل القاتل، حفظ الله الأعراض برجم الزاني أو جلده إن كان بكراً، كل هذه أوامر الله، لولا تقييم الشرائع والشريعة الإسلامية لهذه الأحكام لضاعت أديان العباد وأموالهم وأعراضهم، وضاعت أنفس العباد وعقولهم، وإذا ضاعت هذه الكليات هل يبقى حياة؟ تصبح الحياة حياة بهائم، شريعة الغاب، فما من شيء أَمر الله به أو نهى الله عنه إلا وفيه مصلحة، يعرفها الإنسان وقد لا يعرفها، لكن بالتدبر والتأمل، لما تسمع قول الله تبارك وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:٣٠] أمر من الله أنك تغض بصرك وتحفظ فرجك، يقول الله بعد ذلك: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:٣٠].
ذلك أفضل لك، والله! ما يعرف هذه الآية إلا من طبقها، أهل الإيمان لما طبقوها عاشوا في راحة وسعادة، تجد المؤمن كلما رأى منظراً صرف عينه إن كان حراماً، لكن الذي ما عنده إيمان كلما رأى امرأة أطال نظره إليها، الله يقول: غضوا وهو يقول: لا.
وبعد ذلك ماذا يحصل بعد هذا؟ يرجع إلى البيت مريضاً، فهو قد رأى منظراً، ثم منظراً ثانياً، وآخر أحسن، وكم سوف تنظر، وكم تقدر عليه؟ حتى لو أردت أن تتزوج لا يحل لك إلا أربع في الشرع، لكن إذا نظرت إلى أربعمائة في الشارع تقدر تتزوج بهن كلهن؟ ما تستطيع، أجل، ما هناك حل إلا أن تغض بصرك، قال الله: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:٣٠].
أفضل وأريح لقلبك، وأتقى لربك، وأهنأ لنفسك أنك تغض بصرك من أجل أنك لا ترى إلا زوجتك، لكن لما تنظر إلى فلانة وفلانة وعلانة، تنظر إلى أشكال غريبة يزينها الشيطان، وترجع إلى البيت مريضاً، بعض الشباب -وقد ذكرت هذا الكلام- يخرج من بيته وما في قلبه مشكلة، ويرجع وهو مطعون القلب، يقول له أبوه: تعشَ يا ولد قال: ما أريد العشاء، ماذا فيك؟ قال: آه! الزفرة تقض صدره، لماذا؟ ماذا حصل؟ حريق في الصدر، من أين هذا الحريق؟ من نظرة واحدة فقط:
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر
وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل
لكن غض بصرك يسترح قلبك، يقول المثل: (نافذة يأتيك منها ريح أغلقها واستريح).
لكن تفتح عينك على الناس تفتح عينك على العذاب وعلى النار -والعياذ بالله- هذا المجال الثالث من مجالات النظر وهو أن تعرف أن في كل نهي وفي كل شيء حرمه الله مصلحة لك أيها الإنسان ليس قيداً، بعض الناس يقول: هذه قيود، هذه حدود من شخصيتي، هذا كبت، لا.
هذه مصلحة لك، لولا القيود لكنت متفلتاً، تقيد الآن من أجل أن تنفلت عند الموت وتدخل الجنة، ترى كل شيء، وتنظر إلى وجه الله في الدار الآخرة، تنظر إلى الحور العين، تنظر إلى وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم، تنظر إلى وجوه الأنبياء كلهم، تنظر إلى وجوه الصحابة كلهم، لكن تفتح عيونك الآن في وجوه الزانيات المومسات يقفل الله عز وجل بصرك عن نظرك إليه يوم القيامة: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥].
لا ترى الله يوم القيامة، من يرى البعيدُ والعياذ بالله؟ يرى فرعون وهامان وقارون وإبليس في النار، فيكمل معهم والعياذ بالله، هذا مجال ثالث.