الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فإن موضوع درس هذه الليلة سيكون عن الصحة في الإسلام، وقد تتعجبون من اختياري لهذا الموضوع، ولكن إذا علمتم أن الصحة واهتمام الإسلام بها وتركيزه عليها يعتبر مظهراً من مظاهر إعجاز النبي صلى الله عليه وسلم، ودليلاً من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام؛ لزال العجب، إذ قد يقول قائل: ما علاقة الصحة بدراسة العقيدة والتوحيد؟ فنقول: إن العلاقة قوية، والصلة شديدة، إذ أنك إذا علمت هذه الأمور التي هي أعظم مما قد تصل إليه عقول البشر عبر سنيها وتجاربها الطويلة، وقد سبق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الجوانب الصحية، الوقائية منها والعلاجية، فإنك بهذا تدرك أن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم مرسل من عند الله، فتترسخ عقيدتك، ويزداد إيمانك، ويقوى يقينك، وتخضع لشريعة مولاك بعد أن علمت أنه صلوات الله وسلامه عليه لا ينطق عن الهوى.
ومن خصائص هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله للعالمين: الشمول والتكامل والإحاطة بجميع جوانب الحياة، عقيدةً وعبادةً، وسلوكاً ومعاملةً وأخلاقاً، وهذه دلالة واضحةٌ على أنه من عند الله عز وجل، وتؤكد لنا هذا تأكيداً جازماً، فيزداد المسلم إيماناً ويقيناً، ويعيش على نورٍ من الله وبرهان، فينال السعادة في الدنيا والفوز والفلاح في الدار الآخرة.
والمتأمل لكتاب الله، والمطلع على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتابع لسيرة أصحابه وحياتهم رضي الله عنهم وأرضاهم، والمتابع لحياته صلوات الله وسلامه عليه في مسجده وبيته، وفي جهاده وسلمه، وفي حله وترحاله، يجد أن للصحة مساحةً واسعةً وقدراً كبيراً من الاهتمام.
كيف لا! وهي تتعلق بالإنسان الذي هو المستخلف على هذه الأرض، ويجد ويلمس ما يبعث على الدهشة، ويثير العجب، ويشعر بأنه أمام إعجازٍ باهرٍ يؤكد أن هذا الدين من عند الله، وأن هذا النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فكيف يمكن لرجل أمي لا يقرأ ولا يكتب، يعيش في مجتمعٍ أولي لا توجد به جامعات ولا مراكز بحث علمي؛ كيف يمكن لهذا أن يضع الأسس العامة للصحة الوقائية والعلاجية التي يعجز عنها أمهر الباحثين والخبراء، وكبار الأساتذة والأطباء، رغم تقدم الوسائل وكثرة الإمكانيات، ووجود المجاهر والمختبرات ومزارع الميكروبات وأجهزة الكمبيوتر إلى هذا الوقت، فبالرغم مما استطاع الإنسان أن يصل إليه من هذه الإمكانيات، إلا أنه عاجز أن يصل إلى ما وصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتُثبِت هذه الأمور عندنا، وتقيم لدينا أدلةً واضحة ساطعة كالشمس في رابعة النهار على أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلى وحي يوحى.
وسوف نقضي هذا الوقت الضيق والقصير مع الإعجاز النبوي في مجال صحة الإنسان في الجانبين: الجانب الوقائي، والجانب العلاجي، فإن الوقاية خير من العلاج، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج، وإذا استطعت أن تقي نفسك من المرض فأنت أفهم وأقدر من أن تصبر حتى يأتيك المرض ثم تعالج نفسك.