[أثر الحب والبغض في تحصيل الإيمان]
وأعظم شيء بعد ذلك الحب في الله والبغض في الله، وهو عنوان هذه الجلسة: "لقاء مع الأحبة" الحديث الصحيح يحدث به أنس بن مالك يقول: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله! متى الساعة؟ فأعرض عنه حتى انتهى من كلامه، ثم قال له: أين السائل عن الساعة؟ قال: هأنذا يا رسول الله! -فالرسول صلى الله عليه وسلم مرب عظيم- قال: ما أعددت لها؟ فقال الرجل: -بتواضعه وبصفاء قلبه وبولائه الكامل لله ولرسوله-: لا شيء يا رسول الله! غير أني أحب الله ورسوله) ما قال الصلاة ولا الصوم، بالطبع هو يصلي ويصوم ويجاهد، لكن يقول: أعددت شيئاً يمكن أن ينفع، أما صلاتي وصومي فلا أعلم هل تقبل أو لا تقبل.
نحن الآن نعمل ولا ندري {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧] ولما نزل قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:٦٠] قالت عائشة كما في صحيح البخاري، قالت: (أهو الذي يزني ويسرق ويقتل ويخشى الله؟ قال: لا يابنة الصديق، إنه الذي يصوم ويصلي ويحج ويتصدق ويخشى ألا تقبل) فالرجل يقول: لا شيء عندي من مؤهلات للآخرة، لكن عندي شيء أستطيع أن أثق فيه وهو أني أحب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: (أنت مع من أحببت.
يقول أنس: فما فرحنا يومئذ بأعظم من ذلك) ونحن نشهد الله أننا نحب الله ورسوله.
ولكن لا بد أن نقيم على هذه المحبة أدلة، الذي يدعي أنه يملك عمارة لا بد أن يكون عنده حجة استحكام، صك شرعي، لكن لو ذهب أحد منا وهو مفلس إلى عمارة من العمارات الكبار التي تناطح السماء وقال: هذه لي، كيف لك؟ قال: لي والله لا يأخذها أحدٌ غيري، يقولون: أين الحجة؟ قال: ما عندي شيء، قالوا: اذهب هذه العمارة لا تأتي إلا بحجة، وبعضنا يريد الجنة بغير حجة، يريد الجنة وهو دجال ليس عنده من العمل الصالح شيء، ويريد محبة الله وهو عدو لله، يقول الشاعر:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب طيع
يقول تبارك وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥] {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١] إذا كنت تحب الله ورسوله فإن آثار المحبة تظهر على تصرفاتك، لو أنك في البيت في الصباح جاءتك (المعزبة) أو المعذبة! أحد الإخوان يقول: المعذبة وليست (المعزبة)؛ لأن طلباتها لا تنتهي، وكلما حققت لها أمنية فطموحاتها أكثر من دخلك وإمكانياتك، كلما رأت شيئاً، قالت: نريد ذلك الشيء، فتقول: يا بنت الحلال! تريدين كل شيء وأنا ما عندي كل شيء، هذه اسمها معذبة، ولذا يقول العلماء: لا تنكح من النساء أنانة، ولا منانة، ولا حنانة، ولا شداقة، ولا حداقة، ولا براقة، ما هذه الطلاسم؟! الأولى: لا تنكح أنانة، ما هي الأنانة؟ هي كثيرة التشكي، كلما دخلت ترى رأسها مربوطاً، ماذا هناك؟ قالت: صداع -أعوذ بالله- هذا بيت أم مستشفى؛ لأن بعض النساء تأتي لك بالهمِّ أصنافاً، ولو لم يكن فيها مرض، تأتي بالمرض غصباً، المفروض أن المرأة إذا كانت مريضة تمرض قبل أن يأتي زوجها، إذا جاء زوجها تجعل المرض يذهب، تمرض من الصباح إلى الساعة الثانية والنصف، إذا جاء زوجها تدع المرض قليلاً وتقوم تستقبل زوجها، لكن هذه لا.
مثل (الجنية) طوال اليوم في المطبخ وتكنس، وإذا جاء زوجها قالت: آه، لا تنكح من النساء أنانة أي: كثيرة الأنين والتشكي.
الثانية: ولا منانة، والمنانة التي تمتلك أموالاً أو راتباً تصرف به عليك، تمن عليك كل يوم، إن اشترت شيئاً باستمرار تمن عليك.
الثالثة: لا تنكح حنانة، وهي التي تحن إلى زوج سابق، إذا ابتليت بواحدة قد تزوجت، فقل لها: الماضي ماضٍ، لا أريد أن أسمع ذكره، سواء كان جيداً أو غير جيد.
والرابعة: لا تنكح حداقة، وهذه هي الشاهد من القصة، وهي التي ترمي ببصرها في كل شيء وتقول: أعطني كذا وكذا، إذا مرت من مكان ورأت الأواني المنزلية قالت: نريد ذاك، أو رأت الفرش، قالت: نريد ذاك، رأت الكنبات، قالت: نريد ذاك، فلو عندي عشرة ملايين لقضت على الذي في السوق كله، فهذه اسمها حداقة.
الخامسة: ولا تنكح من النساء براقة، قالوا: البراقة: هي التي إذا كانت على الطعام تبرق بعينها في أيدي الناس، ترى من الذي يأخذ اللحمة الطيبة، ومن الذي لقمته كبيرة، ومن الذي يكثر ومن يقلل، هذه -والعياذ بالله- عينها مثل الرادار.
السادسة: ولا تنكح من النساء الشداقة، الشداقة التي أشداقها وسيعة بالكلام، لسانها مثل (الماطور) أربعة وعشرون ساعة وهي تتكلم، لا تخرج ولا تدخل إلا وهي تتكلم، هذه تعذبك في الدنيا قبل الآخرة.
إذا جاءتك الصباح بالكيس وقالت لك: هذه قائمة الطلبات، كان الأولون يخرج في الأسبوع مرة والآن كل يوم قائمة للطلبات، ويا ويلك إن أحضرت كل الأصناف إلا صنفاً واحداً، ومن ثم قلت لها: انظري يا فلانة! الله يبارك فيكِ نحن إخوان والمحبة في القلوب، ولا يوجد داعٍ لهذا الكيس كل يوم، أنا والله أحبك مثل عيني لكن لا أريد الكيس، ماذا تقول لك؟ أتصدقك؟ تقول: لا والله لو أنك تحبنا لملأت الكيس بالمصاريف.
وكذلك نحن نقول لمن يحب الله ورسوله: لا بد أن يملأ ميزانه عملاً صالحاً، أما أن يحب الله وهو يعصيه، يحب الله ورسوله والأغاني في السيارة والبيت، ويحب الله ورسوله ويحلق لحيته، ويقول له الحلاق: نعيماً -الله لا ينعم عليك- على ماذا نعيماً؟ تحلق لحيتي وتزيل معالم الرجولة من وجهي وتأخذ أموالي، وتقول: نعيماً، بل جحيماً وليست نعيماً، يقول: إنه يحب الله ورسوله وهو ينظر إلى الحرام، ويحب الله ورسوله وهو يأكل الربا، ويحب الله ورسوله وهو لا يصلي في المسجد الفجر ولا العشاء، وربما يصلي بعض الأوقات، يحب الله ورسوله وهو عاق لوالديه، ويحب الله ورسوله وهو قاطع لرحمه، يحب الله ورسوله وهو مؤذ لجيرانه، هذا كذاب وليس بصادق.