للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم تخصيص ليلة النصف من شعبان ببعض العبادات]

القضية الأولى: ما اعتاده بعض الناس من أداء بعض العبادات في ليلة النصف من شعبان أو يوم النصف من شعبان.

كلنا يعلم -أيها الإخوة- أن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الناس للعبادة، وأن هذه العبادة التي خلقهم الله عز وجل لها لا يمكن أن يعرفوها من عند أنفسهم، فبعث الله أنبياء ليعلموا الناس كيف يعبدون الله تعالى، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [النحل:٣٦] وختم الله الأنبياء بالرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧] وجعله القدوة والمثال والأسوة الحسنة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١] لكن لمن؟ {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:٢١] فالذي يرجو ما عند الله، ويرجو النجاة يوم القيامة، ويذكر الله كثيراً هو الذي يكون له قدوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين وبلغه للأمة، وما مات صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ووقف في يوم عرفة والقرآن ينزل عليه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:٣] الله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:٣] أي: لا يوجد دين بعد هذه الآية؛ لأن الله تعالى أكمل الدين، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة: (ألا هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم، قال: اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، اللهم فاشهد) ونحن نشهد أنه بلغ الأمانة، وأدى الرسالة، ونصح الأمة، فجزاه الله عن الإسلام أفضل ما جزى نبياً عن أمته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

والذي يريد أن ينجو يلزمه أن يتابع الرسول صلى الله عليه وسلم، أما الزيادة على الرسول صلى الله عليه وسلم بأي عمل مبتدع ليس عليه أمر الله ولا أمر الرسول فإنه يلزم منه ثلاثة أمور كلها سيئة: أولاً: أن الله ما أكمل الدين، وأن الآية هذه غير صحيحة، والذي يقول بذلك يكون كافراً، أي: الذي يقول: إن الله ما أكمل الدين وأن هذه الآية غير صحيحة، ما حكمه في الإسلام؟ الكفر، لماذا؟ قد لا يقولها بلسانه ويقولها بفعله -أي: يعمل شيئاً ليس عليه أمر الله تعالى، ويقول: هذا من الدين، أجل.

فالله عز وجل لما قال هذه الآية لم يكمل الدين.

وهذا خطأ! ثانياً: يلزم من الابتداع تنقص جناب النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ما أدى الرسالة؛ فما دامت هذه من الدين والرسول لم يبلغها فإن الرسول قد كتمها -أي: أن الرسول لم يعلم الناس بها- وهل في الدنيا أحد يقول: إن الرسول ما بلغ الرسالة؟!! لا.

فالذي يقول: إن الرسول ما بلغ الرسالة يكفر.

ثالثاً: يلزم من البدعة لزوم ثالث، وهو: ضياع الدين! فإن الله حفظ لنا الدين بالوحيين: الكتاب والسنة، ولكن إذا أدخلنا فيه الرأي قام كل واحد برأيه؛ لأن أفكار الناس وآراء الناس واستحسانات الناس لا تنتهي؛ وليس لها حدود، فكل واحد يأتي لنا بدين، وربما بعد سنوات يأتينا ويقول: لا.

نريد أن نحيي ليلة السابع والعشرين من شعبان، لماذا؟ قال: لأننا نحيي ليلة السابع والعشرين من رمضان، فقياساً عليها نحيي هذه الليلة، نقول له: لا.

لا يجوز؛ لأنه لا يوجد دليل فالله قطع الطريق على من يريد أن يفسد على الناس دينهم بوجوب الاعتصام بالكتاب والسنة، لماذا؟ لأن الدين في الكتاب والسنة، وهذه الليلة -ليلة النصف من شعبان- لم يرد في إحيائها، ولا قيامها، ولا صيام يومها الخامس عشر دليل من كتاب أو سنة، وبما أنه لم يرد دليل فالتعبد فيها بدعة، وبعض الناس يحتج بدليل فيه مقال في سنده، لكن بعض العلماء يجمعون طرقه ورواياته ويضمون بعضها إلى بعض، فيرتفع إلى درجة الصحيح، كما صنع الشيخ الألباني، فقد جمع رواياته وقال: إن بعضها يشد بعضاً، ويحصل بمجموعها نقل الحديث إلى درجة الصحيح، لكن الحديث ليس فيه دليل على مشروعية القيام أو صيام ذلك النهار، لأن الحديث فيه خبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة: (إن الله يغفر في ليلة النصف من شعبان بعدد شعر غنم قبيلة كلب) قبيلة كلب هذه من قبائل العرب، كانت مشهورة بكثرة أغنامها، ولهذا يضرب بها المثل بكثرة مواشيها، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله في تلك الليلة يتجلى بالمغفرة والرحمة والرضوان على عدد كبير من الأمة بعدد شعر غنم هذه القبيلة، فالحديث أفاد خبر أن الله يغفر في هذه الليلة، وإذا قبلنا وسلمنا بصحته فنحن نأمل أن يغفر الله لنا مع من يغفر له في تلك الليلة، لكن ليس في الحديث دليل على مشروعية قيام ليله، أو صيام نهاره، أو إحيائه أو الاحتفال به، لماذا؟ لأن الحديث لم يتضمن هذا، فالحديث أخبر أن في هذه الليلة مغفرة، ولكن الرسول لم يقل: فقوموا ليله، أو صوموا نهاره، أو أحيوه، ولم يأمرنا، وبما أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا فعلينا أن نقف، لماذا؟ لأن الله تعالى يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:٧].

وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر في الصحيحين: (كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: إذا عملت عملاً وهو رد عليك، ماذا يصير هذا، سنة أم بدعة؟ بدعة؛ لأنه مردود عليك، فينبغي -أيها الإخوة- أن نقف عند كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

نحن في هذا الزمن والحمد لله زمن الصحوة؛ صحوة الأمة والعودة إلى دين الله، ولكننا نريد أن تكون صحوة على نور الكتاب والسنة، لا صحوة على ظلمات البدعة، والخرافات والأباطل؛ نريد صحوة راشدة، تتمسك بالوحيين -الكتاب والسنة- حتى تكون صحوة صحيحة إن شاء الله! فنريد أن نلفت الإخوة إلى هذا إذ لا ينبغي لأحد أن يقيم وزناً لأي احتفال أو أي صيام يحصل في هذا اليوم أو تلك الليلة.

أما شهر شعبان فإن صيامه مشروع لما ثبت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم رمضان وشعبان حتى نقول: لا يفطر، وكان يفطر حتى نقول: لا يصوم) فإذا رأينا إنساناً يصوم من شعبان لا ننكر عليه، أو كان من عادته أنه يصوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهور الأخرى وصامها في شعبان لا ننكر عليه؛ لأنها عادته، أو كان يصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع وصادف يوم الخامس عشر من شعبان يوم الإثنين وصامه؛ لأن عادته أن يصوم كل إثنين وخميس فلا حرج عليه، لكن إذا كان لم يكن من عادته وصام يوم الإثنين، لأنه يوم الخامس عشر، نقول: لا.

هذا ليس عليه دليل هذا بدعة؛ لأنه يلزم أن يكون هناك دليل عليه.

هذه -أيها الإخوة- القضية الأولى التي أردت الحديث عنها.