اعتاد الناس أن يقيموا احتفالات يسمونها حفل المولد، وحفل المولد جاء من عادة نصرانية الغرض منها التذكير بحالة المحتفل به؛ لأن الإنسان ينسى في زحمة الأعمال، وكثافة الأشغال من لا يذكره باستمرار، حتى إنك الآن ربما تنسى أباك الذي مات منذ سنوات ولا تذكره إلا إذا ذكرك شيء به، فلا تتذكره باستمرار، بخلاف إذا مات في الأسبوع الأول أو الشهر الأول تتذكره في كل حين، وترى آثاره في كل وقت، لكن بعد مضي سنة أو سنتين أو ثلاث ينسى الإنسان.
وما سمي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب
فهم شرعوا لأنفسهم حفلاً يقيمونه، يحتفلون فيه في كل عام بمولد هذا الإنسان الذي يريدون أن يذكروه، ثم صيروا ذلك شعيرة من شعائرهم، يحتفلون فيها حتى بمولد نبيهم عيسى عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام.
وجاء المقلدون والرعاع من هذه الأمة يريدون أن يحتفلوا بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وما علموا أن ذكراه صلى الله عليه وسلم حية في كل وقت وحين، فنحن لا ننساه، ننسى أنفسنا وآباءنا وأمهاتنا وأزواجنا وأولادنا، بل ننسى ذواتنا ولا ننساه صلوات الله وسلامه عليه، كيف ننساه ونحن نسمع ذكره يعلو على كل مأذنة في كل يوم خمس مرات؟ فما من أذان يرفع إلا وفيه أشهد أن محمداً رسول الله، كيف تنساه الأمة وهي مطلوب منها وهي تصلي في كل يوم خمس صلوات، ولا تقبل صلاتها إلا بالصلاة عليه في تشهدها الأوسط والأخير، فأنت تقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اللهم صلِّ على محمد.
هل يمكن أن تنسى هذا الإنسان الذي تذكره في كل وقت وحين؟ تذكره وأنت تدخل البيت، فتتذكر أن هناك هدياً وسنة لا بد أن تقولها، ثم وأنت تأكل الطعام، ولما تشبع من الطعام، ثم وأنت تنام، وعندما تستيقظ، وتذكره وأنت ترى القمر، وتسمع هبوب الرياح، وترى المطر ينزل، وتذكره وأنت تأكل من باكورة الثمار، تذكره في كل شيء؛ لأن معالمه وبصماته صلوات الله وسلامه عليه مرسومة في كل هديك، وسلوكك وتصرفاتك، فهل نحتاج بعد هذا إلى أن نحتفل بذكراه مرة في العام ثم ننساه؟!!