ثم قال:{ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ}[المؤمنون:١٤] هل هناك نسبة بينك وبين النطفة؟ لا.
خلقاً آخر يختلف كل الاختلاف عن أصلك الطيني، ولكن ليس فيك طين، هل أنت طوبة نبني بك؟ لا.
أصلك نطفة لكنك لست نطفة الآن، أصلك علقة لكنك لست علقة، بل خلق آخر:{ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:١٤] لا إله إلا الله ما أعظم الله في هذه الصنعة!! فهو أحسن الخالقين! وبعد ذلك خلق خلقاً آخر في كل واحد.
الآن المطبعة تطبع كتاباً واحداً ملايين النسخ، والمصنع يصنع قطعة غيار وينتج منها مائة أو ألفاً أو عشرة آلاف، السيارة ينتجون من نوع واحد عشرات الآلاف.
لكن ليس هناك إنسان مثل الإنسان الثاني أبداً، لو أتيت الآن بمن على وجه الأرض، وتعدادهم الآن خمسة مليارات إنسان، وأدخلتهم في فناء وأخرجتهم واحداً تلو الآخر فلن تجد اثنين متطابقين مائة في المائة، لابد من وجود اختلاف بينهم، ولن تجد شبيهاً لإصبعي الإبهام، هذه المنطقة الصغيرة (٢سم×١سم) لا يوجد في الأرض الآن اثنين سواء، ولا يوجد في الأرض ممن ماتوا سواء، ولا يوجد ممن سيأتون إلى يوم القيامة اثنين سواء، ما هذا الخلق العجيب؟! لا إله إلا الله! كنت أتصور أن (الكوريين) سواء؛ لأنهم على صورة رجل واحد، أشاهدهم دائماً سواء في شكلهم وطولهم، وجوههم مستديرة، وعيونهم دائرية، وأنوفهم صغيرة، فقلت: إنهم كلهم سواء، ولهذا أقول: كيف يتعارفون؟ كيف يعرف الشخص أخاه وأباه وجده؟ وقدر لي أن عملت في شركة (كهرباء) الجنوب وأن أكون متعاملاً مع الكوريين، وحين اقتربت منهم وإذا بكل واحد منهم له خلقة ثانية، ليس هناك اثنان متشابهان أبداً بأي حال من الأحوال، الأفارقة ليس فيهم اثنان متشابهان، والأوروبيون كذلك، والعرب والهنود والباكستانيون والفلبينيون والأندنوسيون، جميع فئات الأرض لا تجد فيهم اثنين متشابهين، بل حتى التوأم لابد من وجود اختلاف بينهم، أنا مرة قدر الله لي أن أرى توأمين فيهما وجه شبه كبير، وكانا يعملان في إدارة حكومية في أبها، فهما في الطول والوجه سواء، لكن حين تكلما إذا بهذا صوته منخفض وهذا صوته غليظ، لابد من وجود فارق، من الذي يستطيع أن يوجد هذه الفوارق كلها؟ إنها قدرة الله {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:١٤].
هذه هي الحقيقة الأولى: حقيقة الخلق، وليس فيها مراء، هل من أحد عنده مراء أو جدال في هذه الحقيقة أيها الإخوة؟ لا.
والذي عنده مراء ينظر حين يتزوج كيف يأتيه الولد، ثم يراقب مراحل النمو، يكون جنيناً أولاً، ثم يبلغ يومين وثلاثة وأربعة ثم سنة وإذا به يمشي ثم يذهب إلى المدرسة في السادسة، ثم صار بعدها في المتوسطة والثانوية، وإذا به يصبح رجلاً، ولم يعلم وهو يعيش هذه المراحل من النمو من الذي ينميه ويراعيه ويربيه.
إنه الله {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:١٤] هذه هي الحقيقة الأولى.