للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[انكسار القلب]

انكسار القلب وهذه من أعجبها كما يقول ابن القيم رحمه الله: انكسار القلب وتذلُلِه خصوصاً بعد العمل، حين تعمل عملاً صالحاً ثم تستغفر الله بعده، ولذا شرع الله بعد أن تصلي الصلاة، بعدما تسلم: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، ماذا تقول؟ أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، تستغفر الله؟! أين كنت؟ كنت تعمل جريمة من أجل أن تستغفر؟ لا.

تستغفر؛ لأنك تقول يا رب ما عملت عملاً، وما صليت صلاة كما ينبغي سهوت في صلاتي، وغفلت في صلاتي، لم أعبدك حق عبادتك، فأنا استغفرك يا رب! ولهذا يقول الله عز وجل: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٧ - ١٨] طوال ليله قائم وقاعد وراكع وساجد وفي آخر الليل يقول: يا رب! اغفر لي ذنبي {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة:١٩٨] إذا أفضت من عرفات فاذكر الله عز وجل، وتستغفر الله تبارك وتعالى بعد كل عمل تقدمه، لماذا؟ لأنك تشعر نفسك بالانكسار وعدم العجب؛ لأنك إذا مارست العبادة وأنت معجب بها ومتكبر أنك أحسن من غيرك، ردها الله عليك، ما هي عبادتك؟ يقول: لا يزال العمل -العمل الصالح- يعظم عند العبد حتى يصغر عند الله، ولا يزال العمل يصغر عند العبد حتى يعظم عند الله، ولا تزال المعصية تعظم عند العبد -يعصي الله معصية بسيطة، لكن يراها كبيرة- حتى تصغر عند الله، ولا يزال العبد يعمل المعصية الكبيرة ويستصغرها حتى تعظم عند الله، وهي مسألة متلازمة، فإذا عظمت المعصية عندك، تكون صغيرة عند ربي، وإذا صغرت المعصية عندك -تعصي الله وتقول: بسيطة- تكون عند الله عظيمة قال الله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:١٥].

وكذلك العمل الصالح، إذا رأيت أنه جميل عندك فاعرف أنه عند الله قبيح، وإذا رأيت أنه قبيح عندك، وأنه لا يجملك، ولا يبيض وجهك، فاعرف أنه عند الله جميل، فالانكسار والتذلل خصوصاً بعد أداء العمل الصالح هذا من أعظم ما يجعل الله يحبك.