للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أوائل المستجيبين لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم]

لهذا يلحظ أن من أوائل من استجابوا إلى الدعوة هم هؤلاء، أول واحدة استجابت زوجته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، صاحبة العقل الكبير، وصاحبة المواقف العظيمة والأيادي البيضاء، التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوخاها حينما تزوج بها، فما تزوج بها لأي غرض إلا لهذا الغرض؛ العقل والخلق والنظر البعيد، ولهذا اختارها وعمرها أربعون عاماً وهو في سن الخامسة والعشرين، صلوات الله وسلامه عليه، فكانت أول من آمنت به وبرسالته، كما هو مشهور، وقد هونت عليه من أمر الدعوة، وكانت بذلك أول من أُمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتبشيره بالجنة، إذ قال عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا صخب) وهذا الحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم.

وأقرأها الله السلام، وبشرها أن لها في الجنة قصراً من ذهب، لا صخب فيه ولا نصب رضي الله عنها وأرضاها.

ومن المستجيبين في بداية الدعوة السرية: علي بن أبي طالب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وختنه، والختن: هو زوج البنت، زوج بنته فاطمة البتول، وأبو الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين علي بن أبي طالب كان أول المستجيبين من الشباب، وكان يتربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أولاد أبي طالب كثير، فقد كان ذو عيال، فطلب منه أن يكون علي معه، فكان في حجره وفي تربيته، وتحت كنفه، فكان علي أول من أسلم من الشباب الصغار.

ومن المستجيبين في المرحلة الأولى: المولى زيد بن حارثة، الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاء أبوه يطلبه: (إن شئت فأقم عندي وإن شئت فانطلق مع أبيك، فقال: بل أقيم عندك) فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم ببنوته؛ لأن أصل زيد ليس عبداً مملوكاً بل هو حر، لكن أمه أخذته وذهبت من بيت زوجها حارثة إلى بيت أهلها في غضب عائلي، أي: خلاف منزلي؛ لأن بعض النساء جاهلات ما أن يحصل بينها وبين زوجها أي خلاف إلا وتخرج، وهذا من نقص العقل، فلا تخرج المرأة من بيت زوجها إذا حصل شجار، يخرج الرجل ولا تخرج المرأة؛ لأنه إذا خرج يستطيع أن يعود، لكن أنتِ إذا خرجتِ، فمن يرجعك؟ وأهلها يقولون: لا ترجعي حتى يأتي هو يأخذك، وإذا اتصلوا به تعال خذها، قال: لا، الذي ذهب يرجع، والله ما آتي آخذها، وتبقى هي الضحية فلا تفكر المرأة بالخروج من بيت زوجها أبداً بأي خلاف، إلا إذا قررت أن لا حياة مع الزوج، بعد أن تدرس الموضوع دراسة متأنية، وتصدر قراراً نهائياً تعرف فيه أن هذا الزوج لا يمكن أن يكون لها زوجاً، أما لمجرد أي خلاف، خلاف عائلي يسير على مسألة البيت، على مسألة مع الأولاد، وعلى الفور أخذت عباءتها وفتحت (الشنطة) وأخذت أغراضها وخرجت، فمن الذي يرجعها؟! وبعض الأزواج -والعياذ بالله- سيئ الخلق فما أن يحصل بينه وبين زوجته شيء إلا ويقول: الباب يمشي منه الجمل، أي: إن كنتِ مثل الجمل اخرجي، هذا نوع من امتهان المرأة، فلا تريها الباب، اخرج وبعد ذلك ارجع، ومن أعظم الوسائل للقضاء على الخلافات المنزلية خروج الزوج، إذا رأيت الأمر محتدماً والنار مشتعلة بينك وبين العيال، فخذ (غترتك) وامش ويزول الخلاف، وسوف تدخل وإذا هي تضحك وأنت تضحك، لكن إذا جلست منك كلمة ومنها كلمة، وبعض النساء مسكينة ليس معها إلا أن تدافع عن نفسها بلسانها، لا تستطيع أن تضربك ولا أن تطلقك ولا أن تخرجك، فما عندها إلا هذا اللسان، وبعض الأزواج أناني يريد كل شيء له، يقول: اجعلي آخر كلمة لي أنا، لا تردين عليَّ، آخر كلمة أقولها إذا رديتِ أرد، وترد ويرد، وبعد ذلك يجد أن ليس عنده إمكانية، كلما قال كلمة قالت كلمة، فيريد أن يضربها، فإذا ضربها فبعض النساء تضارب، فإذا رأى أن السلاح عندها وعنده سواء، استعمل السلاح النووي وهو الطلاق، فتتحطم الأسرة، ويتشرد الأبناء، وينفرط عقد الحياة لماذا؟ لو فكر الإنسان لوجد السبب تافهاً، لكن أفضل الأمور إذا سمعت بمشكلة حصلت في البيت -وليس هذا انهزام، بل هو رجولة- فاخرج وسيخرج الشيطان، ثم عندما تدخل تقول: السلام عليكم، ذهب الخلاف واضحك وابتسم، (خيركم خيركم لأهله) وهذا ليس عاراً عليك، أفضل الناس الذي يعامل أهله بهذه الأخلاق.

فهذه أم زيد خرجت، وفي الطريق لقيها بعض الناس فضربوها وأخذوا ولدها وباعوه في السوق بيع الرقيق، واشترته خديجة من سوق مكة، ولما تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم وهبته له، وبقي أهل زيد يبحثون عنه حتى علموا أنه بيع في مكة، وأتوا يسألون حتى وجدوه في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلوا عليه، وجاء القافّ الذي يعرف الأثر، وقال: هذا الرجل من هذا الرجل، وكانت العرب تعرف بالقيافة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا هو معكم إن أردتموه فهو لكم) وهذا من كرم الأخلاق، لم يقل: هذا عبدي مملوك عندي، لا.

إن كان يريد أن يذهب معكم فخذوه، فجاء زيد وخيره النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (إن شئت أن تقيم عندي وإن شئت أن تنطلق مع أبيك، قال: ما أنا بالذي أختار عليك يا رسول الله! فقال له أبوه: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرية؟ قال: نعم.

ما كنت لأختار على رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلما قال هذا الكلام أكرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأنعم عليه بقضية التبني، وخرج به على ملأ من قريش ونادى: إن هذا زيد بن محمد من هذا اليوم وليس زيد بن حارثة، ثم أبطل الله تبارك وتعالى هذا الشيء وأنزل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:٤٠] {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:٥] فنادى صلى الله عليه وسلم وأخبر أن زيداً بن محمد قد عاد كما هو زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه، هذا أول من أسلم من الموالي، وقد نزل فيه قوله عز وجل: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:٥] رضي الله عنه وأرضاه.

وقد قتل شهيداً في غزوة مؤتة، حين أمرّه النبي صلى الله عليه وسلم على المعركة، فكان زيد بن حارثة أميراً على الغزوة وهو مولى، وتحت إمرته جعفر بن أبي طالب، وجعفر ابن عم الرسول، فقال: (إن مات زيد فيأخذ الراية جعفر، وإن مات جعفر فيأخذ الراية: عبد الله بن رواحة، وإن مات عبد الله فالأمر شورى بين المسلمين) وفعلاً ماتوا الثلاثة في غزوة مؤتة وأخذ الراية بعدهم خالد بن الوليد رضي الله عنه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بموتهم وهو في المدينة يخطب يوم الجمعة، فقال: (قتل زيد وأخذ الراية جعفر ثم قال: ثم قتل جعفر وأخذ الراية عبد الله بن رواحة، ثم قال بعدها: قتل عبد الله وأخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد).

كان زيد هذا من أوائل الذين أسلموا في العهد الأول في الفترة السرية التي كانت في أول دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.