للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحلي بالصبر بجميع أنواعه]

خامساً: الهداية تحتاج منك إلى الصبر، الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة.

ويوم أن تتحقق لك هذه الأشياء، وتحصل لك الهداية، ويقذف الله في قلبك النور انتهى الأمر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد:٢٨] رتب الله تبارك وتعالى الإيمان والتقوى فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} [الحديد:٢٨] ماذا يحصل؟ {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ} أي: نصيبين {مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:٢٨] نصيب في الدنيا ونصيب في الآخرة: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:٢٨] ما معنى (نُوراً تَمْشُونَ بِهِ)؟ إيماناً تمشون به.

الآن إذا خرج شخص من هذا المسجد في الظلام في هذه الشعاب ومعه ضوء، وشخص ليس معه ضوء، الذي معه الضوء كلما مر على حفرة يجتنبها، وكلما مر على شوكة تجنبها، وكلما مر على حجر حاد عنه؛ لأن عنده نوراً، لكن الشخص الذي ليس معه ضوء فينزل من الشعب ماذا يحصل له؟ لا يصل حتى تكسره حجر تدقه شوكة تضربه زجاجة يضربه مسمار لماذا؟ لأنه يمشي بدون ضوء، وكثير من الناس الآن يسيرون في الحياة بدون نور الإيمان فتضربه حجر الزنا؛ يقع في طريقه في الزنا، ويسقط في حفرة الربا، ويسقط في حفرة العقوق، ويسقط في حفرة الغناء، وبعد ذلك لا يعلم: {زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:٨] {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ} [المجادلة:١٨] {أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:٥٩] هذا لا يصل إلى الآخرة؛ لأنه معطل في هذه الحفر، أما المؤمن فإن معه نور، إذا رأى حراماً تجنبه، وإذا رأى امرأة أمامه لا يستطيع أن ينظر إليها، لماذا لا ينظر؟ لأنه يعلم أن من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم، ويعلم أن الله قد أمره في القرآن وقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:٣٠] ويعلم أن من غض بصره احتساباً لوجه الله أبدله الله إيماناً يجد حلاوته إلى يوم يلقاه.

التقيت بشاب وجدته في المسجد قبل صلاة المغرب يبكي -جالس في الروضة يبكي- فقلت: السلام عليكم، وإذا بالدمع ينهمر من عينيه وله أزيز، فسلمت عليه، ماذا فيك يا أخي؟ خيراً، قال: اتركني يا شيخ! قلت له: كلمني، أنا أظن أنها مشكلة مادية، أو أن أهله خاصموه، الرجل في وادٍ وأنا في وادٍ آخر، قال: دعني يا شيخ! تركته، وبعد ما سلمنا وصلينا وانتهى من البكاء، قلت: أرجوك أن تخبرني، أنا لابد أن أشاركك في مصيبتك، وسأحاول أن أنفعك -يا أخي- ما هي المأساة التي عندك؟ قال: أكلمك خارج المسجد.

ولما خرجنا من المسجد أمسكني وقال: أنا يا شيخ من عادتي باستمرار بعد العصر أنني في البيت ما أخرج إلى أن تأتي الصلاة وأخرج أصلي، لكن أهلي اليوم طلبوا مني أن أذهب إلى السوق يقول: فذهبت إلى السوق ودخلت في مكان أشتري قطعة قماش يقول: ولما دخلت وجدت نساء كن يشترين أقمشة في نفس الدكان، فقلت لصاحب الدكان: هل هذا القماش عندك؟ قال: نعم.

يقول: فأخذ مني النوعية وذهب يبحث عنها ويقول: وبينما أنا واقف ووالله ما نظرت إلى النساء، وهن موجودات، يقول: خائف من الله ما حاولت أن أنظر -لكن واحدة منهن تحرشت بالولد، الولد شاب وسيم لكنه يخاف الله- يقول: وجاءت من ورائي إلى أن قابلتني وجلست تتلفت فيِّ، يقول: لما تلفتت فيَّ أغراني الشيطان في تلك اللحظات، يقول: فجلست أتلفت فيها، يقول: ثم تذكرت خوف الله فغضيت بصري، وأخذت القماش وخرجت، وعندما جئت إلى المسجد قعدت أحاسب نفسي لماذا تلفت فيها؟! أين أنا من الله؟! أما أعلم أن الله يراني في تلك اللحظات؟! يقول: فتضاءلت نفسي أمامي، فشعرت أن الله قد أوجب علي عذابه وسخطه ووباله فأنا الآن في مصيبة لا يعلمها إلا الله، ووالله إني أبكي من الساعة الخامسة قبل الأذان! لا إله إلا الله!! ما الذي جعله يعمل هكذا؟ الخوف من الله، وهو شاب مثل أي شاب عنده من نوازع الشر وعوامل الجنس والرغبة في النساء مثل أي إنسان، ليس ملكاً من الملائكة، لكن الإيمان يحجز، الإيمان يحول بين العبد وبين المعاصي والذنوب، فلا بد -يا أخي المسلم- من الصبر على طاعة الله في ممارستها باستمرار، والصبر عن معصية الله في البعد عنها باستمرار.

نسأل الله أن يثبتنا وإياه على الإيمان، وعندما عرض الكلام لي خنقته العبرة وازداد عليه البكاء؛ لأننا صلينا، لكن لما أعادها تذكر عظمتها، وأنه أخطأ في جنب الله فزاد البكاء، فقلت له: هون على نفسك -يا أخي- واستغفر الله، ودخلنا المسجد وتناولت المصحف، وفتحت له على سورة آل عمران في قول الله عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣] ما هي صفاتهم؟ قال: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} [آل عمران:١٣٤ - ١٣٥] يعني: مثل هذه {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥] يعني: مثل حالة الولد هذا، صحيح أنه لما متع نظره ارتكب جريمة، لكنه لما ذكر الله واستغفر وتاب وندم ولم يصر على ما فعل قال الله عز وجل: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:١٣٦].

والله -يا إخواني- لما قرأت عليه الآية، وصلنا إلى الآية: {جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ} [آل عمران:١٣٦] وإذا به يضحك، تبدل بكاؤه إلى ضحك واستبشار، وقلت: ما بك؟ قال: الحمد لله، ربي يعطيني جنة، أعصيه ولكني أستغفر وأتوب فيرزقني بالجنة، قلت: {خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:١٣٦] هذا رب كريم ورب عظيم جليل، يثيب على الحسنة بعشر أمثالها، فأنت لما تبت بدل الله سيئاتك حسنات وقبلك تبارك وتعالى.