ينقسم الناس بعد الحساب وبعدما يؤتي بالكتب وبالموازين ويفصل بين العباد إلى فريقين: فريق يساق إلى النار، وفريق يساق إلى الجنة، يقول عز وجل:{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً}[الزمر:٧١] أي: مجموعات، كل مجموعة مع من يشاكلها، وهذا فيه زيادة للعذاب، أي: يجمع الزناة سواء، فما يأتي زان أو اثنان، بل كل الزناة على وجه الأرض منذ خلقهم الله إلى يوم القيامة يأتون كلهم في شعب واحد وتسوقهم الزبانية إلى النار قال العلماء: إن في سوق كل أهل معصية سواء فيه تيئيس من الرحمة؛ لأن الزاني إذا رأى نفسه لوحده قال: يمكن أن أدخل في رحمة الله، لكن عندما يراهم ملء الوديان والشعاب يقول -وهؤلاء كلهم مثله-: إذاً ليس هناك أمل في النجاة، فالزناة سواء، واللوطة سواء، واللصوص سواء، والقتلة سواء، والملاحدة سواء {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً}[الزمر:٧١] وهذا معنى قول الله عز وجل: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً}[النبأ:١٨] أي: مجموعات، يفوج الناس ويجمعون ويقسمون ويفصلون بحيث يكون كل فوج وكل مجموعة مع ما يشاكلها من العمل.
{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}[الزمر:٧١] * {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}[الزمر:٧٢] نعوذ بالله جميعاً من هذا المصير! وأما أهل الإيمان -جعلنا الله منهم- فيقول الله تعالى فيهم:{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً}[الزمر:٧٣] أي: مجموعات، لتبدو رحمة الله عليهم؛ الشهداء مع الشهداء، والنبيون مع النبيين، والصالحون مع الصالحين، الأولياء مع الأولياء، وأهل الصيام مع أهل الصيام، وأهل الزكاة المتخصصون الذين يبذلون أموالهم في سبيل الله سواء مع بعضهم؛ ليعرف الواحد أنه ليس لوحده في هذا المجال وليس لوحده في هذا الطريق، بل معه المجموعة الكبيرة من عباد الله، فيأنس ويفرح إن كان من هؤلاء الناجين -نسأل الله وإياكم من فضله-.
{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ}[الزمر:٧٣] الأمن والطمأنينة والسلام عليكم؛ لأنكم سلمتم من عذاب الله، فقد سالمتم الله في الدنيا، وما تعرضتم لمساخط الله، ولا اجترأتم على حرمات الله عشتم في الدنيا في سلام ومتم في سلام وبعثتم في سلام، فالسلام والأمن عليكم، {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}[الزمر:٧٣]؛ لأنكم كنتم طيبين في الدنيا، طابت أعمالكم، وأخلاقكم، وسلوككم، وعقائدكم، وعبادتكم، وحياتكم، وبيوتكم، وأسماعكم، وأبصاركم، وفروجكم كنتم طيبين لا تقعون إلا في الطيب (طِبْتُمْ) أي: في الدنيا، نسأل الله من فضله {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ}[الزمر:٧٤] يقول أهل الجنة هذه الكلمة بعد أن يبشروا بالجنة {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ}[الزمر:٧٤]؛ لأن المؤمن معه وعد من الله إلى الآن ولا يدري ماذا عليه، لا يدري هل يحقق الله له وعده بدخوله الجنة إذا سلم من الآفات، أم يردَّ عمله عليه بسبب منه وإن الله لا يظلم أحداً! الله لا يظلمك ذرة لكن قد يكون المانع منك أنت، فقد تعمل عملاً وتفسده، وقد تعمل عملاً تظن أنه صالحاً وهو غير صالح، ليس لوجه الله، ولكن اعمل واجتهد واجتنب أمرين: الشرك، وهو الرياء، فهو الذي يحبط العمل، والمخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واجعل عملك خالصاً وصواباً، وثق بأن الله لن يضيع عملك؛ لأن الله تعالى يقول:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}[آل عمران:١٩٥].
{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}[الزمر:٧٤] * {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الزمر:٧٥]، نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وزوجاتنا وذرياتنا وجميع إخواننا المسلمين من هذه الزمر الناجية التي تساق إلى الجنان سوق التكريم والتشريف مع عباد الله الصالحين، إنه على ذلك قدير.