وحذارِ يا أخي أن تحسن الظن بالشيطان! ولا تتصور أن الشيطان يأمرك بخير أبداً؛ لأنه عدو لك، وإذا أحسنت الظن بالشيطان كان مصيرك كمصير رجل يذكر أهل العلم قصته: رجل كان يحمِّل مسئولية الإضلال على الناس، ويدافع عن الشيطان، ويقول: أنتم تعصون وتعملون المعاصي وتقولون: الشيطان، أنتم الذين تعصون، والشيطان لم يعمل شيئاًَ.
فانبسط الشيطان من هذا المنصف، وجاء إليه في المنام وقال له: جزاك الله خيراً، ما أنصفني أحدٌ إلا أنت، أنت الذي تدافع عني فجزاك الله خيراً، أنا لا أعمل شراً، ولا أدعو إلى الشر، فالناس هم الذين يعملون الشر ويحملونني المسئولية، وأنا مسكين لا أعمل شيئاً! بل أنا أعمل الخير، وأبرهن لك على عمل الخير بأن أحملك الآن، وأوصلك لتعتمر عمرة هذه الليلة.
وهو في المنام فوق الفراش.
قال: جزاك الله خيراًَ، ولكن كيف تذهب بي؟! قال: اركب على ظهري.
فأركبه على ظهره، وطار به، يريد أن يأخذه في عمرة إلى مكة في الليل، وفي الطريق وهما في الصحراء أراد هذا الرجل أن يخرج إلى الخلاء فدقَّ رأس الشيطان، قال: يا شيطان! قال: نعم.
قال: أريد الخلاء، قف بي، دعني أذهب إلى الخلاء.
قال: لا عليك، ضعها في مكانك، لا يهمك، ضعها على ظهري.
قال: كيف أضع الأذى والنجاسة على ظهرك؟ قال: لا يهمك، والله لن أدعك تنزل إلى الأرض، أنت رجل مخلص، ورجل مُدافعٌ عني، أَوَأَدَعُك تنزل إلى الأرض؟! والله لا تنزل.
فصبر ذاك وصبر، فغلبته بطنه، فما كان منه إلا أن وضعها على ظهره، وإذا به يضعها على الفراش.
قال: لعنك الله يا شيطان! نعوذ بالله منك يا شيطان! لعنك الله يا شيطان! فالشيطان يلعب عليك -يا أيها الإنسان- ونهاية هذا المكر وهذه اللعبة أنك يوم القيامة -أيها البعيد- يتخلى عنك الشيطان، يقول الله عز وجل في سورة إبراهيم في الخطبة التي يلقيها الشيطان على أتباعه في النار، إذا استقر أهل النار في النار وكبيرهم إبليس، فهو قائد المجرمين، يجتمع بهم ويقول لهم كما قال الله:{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}[إبراهيم:٢٢] اعتراف، يقول: وعدكم الله وعد الحق على ألسنة رسله، وفي كتبه بالجنة، ونهاكم عن النار؛ لكني وعدتكم فأخلفتكم:{وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ}[إبراهيم:٢٢] يقول: ما لي قوة عليكم: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}[إبراهيم:٢٢] لا إله إلا الله! يقول المفسرون: إن هذا الكلام على أهل النار أعظم من كل عذاب، فعذاب النار عذاب مادي إحراق؛ لكن عذاب الكلام عذاب معنوي، عذاب نفسي؛ شخصٌ يدخلك في مصيبة إلى مسامعك، ثم يقول: أنت الذي أخطأت، أنا ما قلت لك، أنت الذي أطعتني! كيف سيكون ألمك وألم هذا الكلام عليك؟! فهذا الشيطان يقول للناس:{فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ}[إبراهيم:٢٢] أي: لن أفزع لكم، {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}[إبراهيم:٢٢] لن تفزعوا لي: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[إبراهيم:٢٢].
وأهل الإيمان قال الله فيهم:{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ}[إبراهيم:٢٣] نسأل الله وإياكم من فضله.