[أدلة القرآن بوقوع البعث والنشور]
الدليل الأول: إخبار الله تبارك وتعالى في القرآن بوقوعه: وهل أصدق من الله عز وجل؟ إذا أخبر الله في القرآن بخبر لزم منك -أيها المؤمن- بمقتضى إيمانك أن تصدق؛ لأنه لا أحد أصدق من الله قيلاً، وقد أخبر الله عز وجل أن البعث والنشور كائن، وهذا من أعظم الأدلة الدالة على وقوع البعث؛ فمن آمن بالله وصدق برسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابه الذي أنزله الله على رسوله فلا مناص له من الإيمان بما أخبر به من البعث والنشور، والجزاء والحساب، والجنة والنار.
وقد نوع الله تبارك وتعالى في الكتاب الكريم أساليب الإخبار ليكون أوقع في النفوس وآكد في القلوب، ففي بعض المواضع من القرآن يخبر الله بوقوع يوم القيامة إخباراً مؤكداً بـ (إن) يقول الله عز وجل: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:١٥] ومرة يؤكد بـ (إن، واللام)، يقول جل ذكره: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر:٨٥] اللام الداخلة على (آتية) لام التوكيد، إن: حرف توكيد ونصب، ومرة يؤكد بـ (ما): {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ} [الأنعام:١٣٤] ومرة بأداة الحصر: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} [المرسلات:٧] هذه كلها أساليب في تأكيد عملية الإخبار عن البعث والنشور وأنه كائن لا محالة.
- الدليل الثاني: قَسَم الله تبارك وتعالى؛ فيقسم الله على وقوع البعث؛ أنت إذا أخبرك رجل تثق في خبره صدقت خبره، وإذا أكد لك الخبر بأي وسيلة من وسائل التوكيد كان الخبر آكد عندك، وإذا أكده لك بالقسم وأنت تعرف أنه رجلٌ صادق بار مؤمن لا يمكن أن يكذب فإن الخبر عندك يأخذ مأخذ المسلمات، سبحان الله! الله عز وجل يخبر ويؤكد ويقسم على وقوعه، يقول الله تبارك وتعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ} [النساء:٨٧] هذا قسم يقسم الله بالذي لا إله إلا هو فيه بنفسه.
ويقسم على وقوعه بما شاء من مخلوقاته، يقول الله عز وجل: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات:١ - ٦] يعني: إن يوم الدين يوم البعث والنشور لواقع.
ويقسم الله بخمسة أشياء في سورة الطور: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور:١ - ٨].
ثم يأمر رسوله بأن يقسم بالله تبارك وتعالى على وقوعه، ويرد على المكذبين فيقول الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:٣] ويقول عز وجل: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس:٥٣] ويقول جل ذكره: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧].
- الدليل الثالث: ذمه تعالى للمكذبين في بعض مواضع القرآن ذماً مباشراً، فيقول تبارك وتعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [يونس:٤٥] أي: خاسر لا خير فيه! ما ربح من دنياه إلا العذاب والسخط! ليته ما خلق! ليته ما عرف هذه الحياة! لو لم يعرف الحياة لكان في عداد المهملين! لو كان حيواناً لكان في عداد من يصير تراباً! لكنه عاش في الدنيا ليعبد الله، ومكنه الله وزوده بوسائل الإدراك؛ العقل والنظر والسمع ولكنه ما استخدم هذه الوسائل فخسر دنياه؛ قال الله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [يونس:٤٥] ويقول: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:٦٦] أي: عمي عن الإيمان بالله والعياذ بالله! الدليل الرابع: وكما ذم المكذبين يمدح أهل الإيمان المصدقين جعلنا الله جميعاً منهم؛ يمدحهم ويقول: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:٧ - ٩] هذا ثناء؛ سماهم الله راسخين في العلم، أي: ليسوا سطحيين؛ لأنه العلم عن الله، علم الكتاب والسنة، ليس علم المادة؛ قد تجد إنساناً عالماً رأسه مثل الجبل في الذرة والفلك والطب والهندسة وفي كل شيء، لكنه في علم الله لا يعرف شيئاً، هذا أجهل ثور -والعياذ بالله- في الأرض، وتجد آخر لا يستطيع أن يقرأ حتى حرفاً واحداً، لكن عنده من الإيمان بالله مثل الجبال.
هذا هو العالم؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] أي: العلماء به، وبعد ذلك الراسخون في العلم الذين رسخت قلوبهم في العلم بحقائق هذه الحياة حتى عرفوا مصيرهم وعرفوا سر خلقهم ووجودهم، وعرفوا البعث بعد الموت.
هؤلاء راسخون؛ لأنهم غاصوا في أعماق الحقائق، أما السطحيون الذين عرفوا من الدنيا السطح فقط، فإنهم يعيشون وتفكيرهم في هذه الدنيا فقط؛ في المادة وعناصرها وأجزائها، هؤلاء قال الله تعالى فيهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:٧] هؤلاء -والعياذ بالله- ستكون لهم مواقف مخزية وحينها يتمنون أنهم ما عرفوا هذه الحياة.
- الدليل الخامس: من ضمن الأساليب في الإخبار أنه تبارك وتعالى يذكر في القرآن أن وعد البعث صادق، ولا مجال لتكذيبه، ويقول: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ * فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} [هود:١٠٣ - ١٠٩] يقول: لا تخف ولا تشك في هؤلاء الذين يعبدون غير الله؛ إنما يعبدون الشهوات والطواغيت والمادة، وهم سائرون على ما سار عليه أسلافهم من الكفار والمكذبين، ولكن الجزاء عندنا، وسوف نوفيهم نصيبهم غير منقوص.
ويقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} [لقمان:٣٣] هذا وعد الله الذي لا يتبدل ولا يتغير أبداً، ويقول عز وجل: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ} [سبأ:٢٩ - ٣٠] ويقول مهدداً ومتوعداً: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الزخرف:٨٣] ويقول جل ذكره: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [الذاريات:٥].
- الدليل السادس: إخباره تعالى عن مجيئه في بعض الأحيان بصيغة الاقتراب، فيقول تبارك وتعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً} [المعارج:٦] يعني: يوم القيامة {وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:٧] ويقول: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل:١] أتى هنا فعل ماضٍ، وعبَّر الله عز وجل بالماضي ليؤكد تحقق وقوعه وقربه وكأنه قد وقع، أَتَى أَمْرُ اللَّهِ أي: البعث والنشور {فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل:١] ويقول الله عز وجل: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُول