الحديث عن القبر ينبغي أن يكون نصب أعيننا في كل وقت وحين، فإننا ما دمنا نذكره، فسوف نستعد له، وإذا نسيناه غفلنا عنه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر ويأمر أصحابه بالإكثار من ذكر الموت والقبر، وكان يقول:(إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها فإنها تذكر بالآخرة) والناس اليوم قليل من يزور القبور؛ لأن الناس لا يمشون على أقدامهم، كنت قبل أن أشتري سيارة أمشي على قدمي، وما أمر بمقبرة إلا أسلم عليها؛ لأني أرى القبور، وهي ليست مرتفعة، وليس عليها سور، ولا مناظر جميلة من أجل أن تلهي الناس، فكلما رأيت قبراً أسلم، وبعدما اشتريت سيارة، فانشغلت بالسيارة فلا تنظر عيني إلا في الخط، ولا أستطيع أن أنظر، والمفروض أن أنتظر لحظة وأسلم، وليس بالضروري أن يستمر نظري إلى المقبرة مسّلِماً، وإنما إذا مررت بالمقبرة أسلم وأركز على الخط، لكن العبرة في هذا أقل من العبرة لو سرت بقدمي ووقفت على طرف المقبرة ونظرت إليها، وشاهدت ظاهر القبور وما يحصل فيها من الهدوء والوحشة والانفراد، يحدث بهذا تأثر كبير، إذا مارسه الإنسان.
يحدث هانئ مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال:[كان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكي، حتى تبتل لحيته] ودائماً تسمعون في أكثر الأحاديث بكى حتى ابتلت لحيته، لكن لو بكى أحدنا وليس معه لحية، فماذا نقول: حتى ابتلت جلدته، حتى يبتل ذقنه، ماذا نقول؟ ليس هناك شيء يبتل.
إذاً اللحية معلم من معالم الرجولة، وسنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، لا بد من إبقائها في الوجه عملاً وتطبيقاً لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل له:(يا أمير المؤمنين! نراك تذكر الجنة والنار فلا تبكي، ثم تذكر القبر فتبكي، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر، وإن لم ينج منه فما بعده أشد) قال: (وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه) رواه الترمذي، وابن ماجة، والإمام ابن الأثير في جامع الأصول، وقال الشيخ الألباني في تعليقه عليه: سنده حسن، وأخرجه وحسنه في صحيح الجامع للسيوطي.
حقيقةً القبر -أيها الإخوة- من أفظع ما يمكن على الناس؛ لأنك لو نمت في غرفة، هذه الغرفة مساحتها (٢م×٢م) أو (٢م×١م)، وبعدها تعرف أنه لا يوجد معك أحد باستمرار، وليس عندك طعام ولا شراب، وسقفها قريب منك، إذا كنت في غرفة، أو سجن، أو زنزانة، أو غرفة كبيرة لا بد أن يكون سقفها بينك وبينه (٢م) أو (٣م)، لكن إذا كانت الغرفة التي تنام فيها (١.
٥م×١.
٥م)، وارتفاع السقف شبر واحد، والحجارة فوق ظهرك، هذا شيء فضيع (ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه)، وليته رقود ولا شيء بعده، ولكن هناك أشياء: