[أهمية المحاسبة ومعرفة الربح والخسارة]
أيها الإخوة: إننا واقعيون مع كل شيء في حياتنا إلا مع أنفسنا، فما من عمل إلا وله حساب يتقنه، ويعرف مدخله ومخرجه، وربحه وخسارته، بدءاًَ بالفرد، ومروراً بالمؤسسة والإدارة والوزارة، وانتهاءً بالدولة؛ هناك ميزانيات سنوية، وسنة مالية، يعرف فيها كل إنسان مركزه المالي، وربحه وخسارته.
وكذلك لا بد من سنة مالية إيمانية لك أيها الأخ، تعرف فيها خسارتك وربحك مع الله عز وجل.
وموضوع المحاضرة هو: ميزانية نهاية العام، سوف نضع الآن ميزانية للمدخلات والمخرجات، للأرباح والخسائر، للمعاصي والطاعات؛ لنعرف مركزنا الإيماني: أين نحن من الله؟! أنحن من أهل البر؟! أم نحن من أهل الإثم؟! أنحن من أهل الجنة؟! أم من أهل النار؟! هل فكر أحدنا أن يمسك قلماً ودفتراً، ويسجل فيه ما يفعله، ويعرف بين الحين والآخر رصيده من الخير والشر، لو أننا نخبط في هذه الدنيا خبط عشواء، ونتصرف دون معقِّبٍ أو محاسِبٍ أو رقيب، لجاز لنا أن نبعثر حياتنا كما يبعثر السفيه ماله؛ ولكن كيف نبعثر أيامنا! وكيف نضيع شهورنا وأعوامنا! والله قد حفظ ودوَّن علينا مثاقيل الذر، وأعد قوائم الحساب الطويل؟! يقول الله عز وجل: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:٤٩].
ويقول عز وجل: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:٢٩] كل شيء أنت تعمله تكتبه الملائكة، أنت تُملي وهي تكتب، وكل يوم يكتمل تكتمل معه صفحته، فإذا اكتملت السنة اكتمل السِّجِل، وإذا اكتمل العمر حوِّل إلى الآخرة بسِجِلَّاته، فتأتي فتحملها، قال الله: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:٣١] ترد على الآخرة ومعك سجلاتك، إما بيضاء فيبيِّض الله وجهك، أو سوداء فيسوِّد الله وجه البعيد والعياذ بالله.
يقول ربنا عز وجل: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً * مَنِ اهْتَدَى} [الإسراء:١٣ - ١٥] الهداية لِمَنْ؟ {فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ} [الإسراء:١٥] عندما تضل هل ستضل الناس؟! لا.
بل تضل نفسك {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:١٥].
أليس الأجدر بنا والأولى أن نستكشف نحن هذا الإحصاء والحساب؟! إذا كان عندك رصيد في أي بنك أو في أي مكان، فإنك في كل يومين أو ثلاثة أيام تقول: أعطوني كشف الحساب لماذا؟! لأعرف كم ذَهَبَ! وكم بَقِي! حسناً، وكشف حسابك مع الله: ألا تريد أن تعرف كم ذَهَبَ، وكم بَقِي؟! ألا تريد أن تعرف كم ربحك، وكم خسارتك؟! تريد أن تعيش هكذا ضائعاً، حتى تفاجأ وإذا بالأرصدة كلها ديون على ظهرك! مَن أكل ولم يدرِ افتقر وهو لا يدري، نحن نُجْري موازنة على شكل مبسط في بيوتنا، كل واحد منا يعمل موازنة شهرية، في يوميْ (٢٨) و (٢٩) ينظر فيهما كم بقي من الراتب، فإذا كان الذي بقي (٢٠) أو (٣٠)، أو (١٠٠) فإنها تكفيك حتى آخر اليوم.
ولكن ما هي المشروعات المستقبلية في الشهر الآتي؟! كم تصرف؟ الراتب (٤٠٠٠) ريال: (١٠٠٠) ريال تصرفه.
و (١٠٠٠) ريال لقسط السيارة.
و (١٠٠٠) ريال لقسط الأرضية.
و (١٠٠٠) ريال توفره.
هذه المحاسبة تشبه هذه الميزانية؛ لكن بشكل مبسط.
إن الأجدر بنا أن نستكشف نحن حساباتنا، وأن نحصي على أنفسنا الذي يخصنا وحدنا، أما ينبغي أن تكون -يا أخي- على بصيرة بمقدار وحقيقة ما تفعل من خطأٍِ أو صواب؟!