للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إكرام الله للرسول صلى الله عليه وسلم برفع ذكره]

وينزل الفرج بعدها بقوله تبارك وتعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:١ - ٣].

سبحان الله! كيف العذر؟! وما أعظم هذا الرسول عند الله! يقسم الله تعالى له بالضحى، والليل إذا سجى: أي: غطى الأكوان كلها، والضحى: حين شروق الشمس وانتشار الضياء، والليل إذا سجى أي: تسجى به الأرض -أي: مثل الغطاء- ما ودعك أي: ما تركك ولا قلاك ولا هجرك، ولكن هناك شيء محذوف فما هو؟ هو أن يربيك الله سبحانه وتعالى حتى لا تغلط فتقول غداً أفعل ولكن قل: إن شاء الله؛ لأنك لا تعلم ما يكون غداً، قال الله تعالى له: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:٢٣ - ٢٤] الأمر بيد الله وليس بيدك، اربط كل شيء في حياتك بمشيئة الله، أما أن تكون لك مشيئة خاصة منفردة عن مشيئة الله فلا، ولهذا قال واحد من الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: (ما شاء الله وشئت يا رسول الله! قال: أجعلتني لله نداً، بل قل: ما شاء الله وحده) ما لي مشيئة إلا تحت مشيئة الله تبارك وتعالى، فقل: ما شاء الله وحده، وهذا من ضبط العقيدة، ومن سد ذرائع الشرك، فلا تقل لأحد: ما لي إلا الله وأنت! أو أنا متكل على الله وعليك! تعتقد أنه يضر وينفع؛ فلا ضار ولا نافع ولا معطي ولا مانع إلا الله.

{وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:١ - ٥] ثم امتن الله تعالى عليه بالنعم فقال له: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:٦ - ٨] ثم بعد ذلك تنزل سورة الشرح يقول الله تعالى له: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:١ - ٤] ليس على وجه البسيطة -ولن يكون إلى يوم القيامة- أعلى ذكراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فأكرم أهل الأرض وأكرم الخلق أجمعين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهل يوجد الآن في الأرض أعظم ذكراً منه؟ فالمسلمون اليوم عددهم ألف مليون مسلم على وجه الأرض، وكل المصلين يصلون عليه كل يوم، وكل فرد منهم يصلي عليه ويشهد أنه رسول الله عدة مرات في الأذان والتشهد وغيرها، ولا تقبل صلاته إلا إذا قال في تشهده: (التحيات لله الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).

وكم مؤذن يرتفع صوته ويشق عنان السماء في كل يوم! وهو يقول في أذانه: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) فهل هناك أعظم من هذا الذكر؟ وهل هناك في الخلق أعظم ذكراً من محمد صلى الله عليه وسلم؟ لا يوجد، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يذكر حياً ويذكر ميتاً وكلما صلي عليه -صلوات الله وسلامه عليه صلاةً دائمةً متتابعة ما تتابع الليل والنهار- امتن الله عليه بالرفعة والمكانة العظيمة.