إن مشركي العرب -كما قلت- ما كانوا يجحدون وجود الله، بل كانوا يؤمنون بوجوده، ويعترفون بأنه الخالق والرازق والمحيي والمميت، يقول الله عز وجل:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزمر:٣٨].
وهؤلاء المشركون في مكة، لو قلت للمشرك منهم: من خلق السماوات والأرض؟ يقول: الله، فإذا قلت له: إذا كنت مقراً بأن الله هو الذي خلق الخلق وحده فيجب أن تعبده وحده، يقول: لا.
هذا فيه نظر، أعبده وأعبد آلهة معه، ولماذا تعبد آلهة معه؟ قال: كي توصلني إليه، ولذا قال عز وجل:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر:٣].
هذه شبهتهم في العبادة، يقولون: نحن لا نستطيع أن نصل إلى الله مباشرةً، فلا بد من وسيط وشفيع يقربنا ويزلِّفنا إلى الله:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر:٣] فجاءت العقيدة لتبطل هذا الزعم، ولتبين أن الله يُعبد من غير واسطة، ويمكن الوصول إليه من غير شفيع، وإذا دعوته فإنه قريب:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة:١٨٦].
ولذا وصمهم الله عز وجل بالشرك والكفر مع إقرارهم بوجوده سبحانه وتعالى، فلم ينفعهم هذا الإقرار، إذ لم يوحدوا الله بتوحيد الألوهية.
فدليل الخلق والحياة هي من دلائل وجود الله عز وجل وألوهيته، كما أنهما صالحان لمواجهة المشركين وتقرير وحدانيته أيضاً، وهما كذلك صالحان لمواجهة اللوثات الجاهلية الحديثة التي تنكر وجود الله، فهي لوثة دخيلة ومسحة تريد أن تجحد وجود الله، فنواجهها بما واجه الله عز وجل به كفار قريش بدليل الخلق، فدليل الخلق قاطع ومقنع على وجود الله تبارك وتعالى.