[جزاء من كسب السيئات في الدنيا والآخرة]
{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ} [يونس:٢٧] وهل السيئات مكسب؟ قال العلماء: ليست مكسباً، ولكن من باب التهكم والسخرية، فيسخر الله منهم ويتهكم بهم.
فهؤلاء المغفلون الذين عاشوا ستين أو سبعين سنة وهم يحملون ويكسبون على رءوسهم سيئات، فيكسب أحدهم من عينه سيئات فينظر إلى ما حرم الله، ويكسب من أذنه سيئات فيستمع إلى الأغاني وما حرم الله، ويكسب من لسانه سيئات فيتكلم في الغيبة والنميمة والسب والشتم واللعن وشهادة الزور ويمين الفجور، ويكسب من بطنه سيئات فيأكل ما حرم الله، ويكسب من فرجه فيقع في الزنا واللواط وما حرم الله، ويكسب من يده فيبطش فيما حرم الله، ويكسب من رجله فيمشي إلى ما حرم الله، فهذا يكسب ويجمع، فماذا يجمع؟ يجمع سيئات.
وأين تذهب السيئات؟ أتذهب إلى غيرك أم إليك؟ بل إليك، فأنت الذي أتيت بها، فهل نعطي الجماعة وهم ما فعلوا منها شيئاً؟ لا والله، فما معك إلا الذي معك، يقول الله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:٤٦] وعندنا مثل في الجنوب -ويمكن أن أكثركم من أهل الجنوب- يقول: (ما غبر صبيح فعلى قرنه)، وصبيح عندنا هو: الثور، وسمي صبيحاً؛ لأن في جبهته بياضاً، فإذا جاء صبيح هذا إلى الحقل أو الزرع جاء إلى الجثوة، والجثوة هي: الدمن، أي: السماد الطبيعي، فيأتي يغرس قرنه ويخوض معركة مع الجثوة، ويأخذ هذا السماد وينطح به في السماء، ويحسب أنه يغبر على القبيلة وهو يغبر على رأسه.
وكذلك نحن نقول لصبيح المعاصي من البشر، نقول: يا صبيح المعاصي! ما عصيت من معصية فعلى قرنك، والله ما تضر أحداً، وما تضر الدولة، ولا الجماعة، ولا أمك، ولا أبوك ولكن تضر نفسك.
فإن كنت تحب نفسك؛ فتوقف عن المعاصي، وإن كنت تكره نفسك؛ فزود، قال تعالى: {بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:١٤].
قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ} [يونس:٢٧] فماذا نعطيهم؟ أنعطيهم حسنات؟ معقول؛ لأن الذي يعمل السيئات ويتصور أن الله سيعطيه حسنات فهذا يتهم الله بأنه لا يعرف كيف يجازي عباده، لا.
قال: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس:٢٧] خذ سيئة وأعط سيئة فليس هناك غير ذلك، وبعدها قال تعالى: {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} [يونس:٢٧] فلا يمنعهم من الله أحد.
وقد يقول شخص: أنا صاحب سيئات، ولكن عندي من يمنعني: فعندي جاه، وسلطة، وقوة، ومال، أيمنعك ذلك من ربي؟ والله لا يمنعك من الله أحد، ولكن الله يمنعك من كل أحد؛ لأن الله غالب على أمره، والتاريخ موجود أمامنا، فهل استطاع فرعون الذي ادعى أنه الرب ويقول: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨] هل امتنع من الله؟ أبداً.
النمرود الذي يقول لإبراهيم: ادع ربك أن يخرج لي في الميدان، أريد أن أحارب ربك، فأين هو النمرود؟ ذهب، سلط الله عليه بعوضة دخلت من أنفه واستقرت في دماغه، وصارت تنتفض حتى ضربه عبد من عبيده في رأسه فشطره إلى نصفين وسقط نصف جناح البعوضة، فقال الله لها: أتريدين دية، أم تريدين جناحك؟ قالت: أريد دية، فكم الدية؟ قال: الأرض من يوم أن خلقتها إلى يوم أن أفنيها.
قالت: لا، بل أريد جناحي.
وجاء في الحديث: (لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء).
فمن يمتنع من الله؟ لا أحد.
يقول الله: {مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} [يونس:٢٧] ثم بين الله عز وجل حال وجوههم يوم القيامة، فأهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة، وجوه مبيضة، ومسفرة، ضاحكة مستبشرة، فرحة بلقاء الله، تفرح بأن الله أنجاها من النار ووعدها بالجنة.
لكن أولئك قال الله فيهم: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً} [يونس:٢٧] الله أكبر! لا إله إلا الله! كيف يكون وجهه وليس قطعة بل قطع من الليل البهيم الأسود؟ قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:١٠٦] تبيض وجوه أهل الإيمان والعمل الصالح، وتسود وجوه أهل الكفر والنفاق والفجور والمعاصي والعمل السيئ، قال تعالى: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:٢٧].