يحدث أيضاً خصام آخر في النار بين الضعفاء والمستكبرين، يقول الله:{وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً}[إبراهيم:٢١] يقولون: نحن أتباعكم ولابد أن تحملوا من العذاب شيئاً أكثر منا {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}[إبراهيم:٢١].
وفي موضع آخر من القرآن يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ}[غافر:٤٧] يعني: يتحاكمون ويتخاصمون، ويتشاجرون {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا}[غافر:٤٧ - ٤٨] الله أكبر! لا إله إلا الله! يقولون: أين نذهب بكم؟ كيف ننصركم؟ ونحن معكم.
فأهل النار يقول الكبير منهم للصغير:{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ}[غافر:٤٨].
وهذا كله في عرصات القيامة قبل أن يدخلوا النار، وعندما يدخلون النار ويقفون على الأبواب يتخاصمون أيضاً، يقول الله عَزَّ وَجَلّ:{هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ}[ص:٥٥] شر مآب وشر مصير للطاغين المجرمين {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ * هَذَا فَوْجٌ}[ص:٥٦ - ٥٩] يعني: مجموعة جاءوا إلى النار ((مُقْتَحِمٌ)) [ص:٥٩] فلا يدخلون النار مشياً وإنما يدفعون دفعاً {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً}[الطور:١٣] ثم سبعين سنة يهوون حتى يصلوا إلى قعرها {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ}[ص:٥٩] أي: مقتحم عليكم في النار.
فيقول من في النار:{لا مَرْحَباً بِهِمْ}[ص:٥٩] كان إذا رآه في الدنيا يرحب به ويأخذه بالأحضان؛ لأنهم اجتمعوا في الدنيا على صوت العود والأغاني، ويوم القيامة يقول:{لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ}[ص:٥٩] فيقول الذين في الأعلى: {قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ}[ص:٦١ - ٦١].