[أدب النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه وتحمله لأذى قومه]
وهذا محمد صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف وقد رجمه أهلها، وأغروا به السفهاء، وأدموا عقبيه، وطردوه، وبعد أن طردوه صار يمشي في طريق وعرة، يطلع جبلاً، وينزل وادياً، حتى يصل إلى وادي نخلة، وإذا به في الطريق ينزل عليه ملك الجبال بعد أن قال هذا الدعاء:(اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، إلى من تكلني-إلى أن يقول- إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي) يقول: إن كان ما يأتيني ليس بسبب غضبٍ منك يا رب! فلا أبالي (غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح به أمر الدنيا والآخرة؛ أن ينزل بي سخطك، أو يحل بي عقابك، لك العتبى حتى ترضى) هذا هو الدعاء العظيم.
فالذين يعرفون الله تبارك وتعالى؛ الملائكة، والأنبياء، والصالحون، يعرفون الله فلا يعصونه، وإذا وقعوا في معصية رجعوا إلى الله تبارك وتعالى.
فالله عز وجل هو الذي يقلب القلوب والأبصار كما يقلب الليل والنهار، هو الحاكم في الكون، الأمر أمرُه، والنهي نهيُه، والشرع شرعُه، والحكم حكمُه، لا تحليل لما حرم، ولا تحريم لما أحل، هذا كله من خصائص الرب وخصائص الإله، {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}[الأعراف:٥٤] ما دام أنه الخالق لوحده فلا بد أن يكون هو الآمر لوحده، ولا يجوز أن يمارس أحدٌ هذه الأشياء مع الله تبارك وتعالى، أو مِن دون الله؛ لأنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله، ولا يحيي ولا يميت إلا الله، ولا يضر ولا ينفع إلا الله، ولا يمنح ولا يمنع إلا الله، فلا يملك أحدٌ لنفسه ولا لغيره شيئاً في الدنيا ولا في الآخرة، فكيف ينافس الله في خصائص الألوهية، ما دام أن كل هذه الخصائص لله إذاً فله الأمر، وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو على كل شيء قدير.