وهذا من أشد أنواع الظلم، ثلاثة دواوين: ديوان لا يغفره الله وهو الشرك، وديوان لا يغادر منه شيء وهو هذا الظلم؛ لأنه حقوق عباد، وحقوق العباد قائمة على المشاحاة، وديوان يغفره الله إذا تاب العبد وهو الذي بينك وبين الله؛ لأن حقوق الله قائمة على المسامحة، وإذا تبت تاب الله عليك.
أما حقوق الناس فلا.
فظلم الغير ظلم، إما بهتك عرض، أو بسرقة مال، أو بإراقة دم، أو بغيبة، أو بعدوان، أو بأي نوع من أنواع الظلم، والظلم قد حرمه الله، والحديث في مسلم، حديث قدسي يقول الله عز وجل:(يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، (الظلم ظلمات يوم القيامة) خصوصاً من لا يجد عليك ناصراً إلا الله، وهذا دائماً هو الذي يظلم.
أما الكبير فلا أحد يقدر على ظلمه، لكن يقع الظلم غالباً على الطبقات السفلى، العامل يظلمه سيده: يظلمه بعمل شاق، يظلمه بتأخير إيجار، يظلمه بإساءة التعامل، يظلمه باحتقار وامتهان، لا، هذا يصبر على الظلم، لكنه عليك يرفع برقيات في الليل يدعو عليك، والله عز وجل يفتح أبواب السماء لدعوة المظلوم، يقول عليه الصلاة والسلام:(واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) تفتح لها أبواب السماء تسري بليل، لا تظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله؛ لأنك إذا ظلمت شخصاً ضعيفاً ثم دعا عليك دعا عليك قوياً، وأنت لا تستطيع أن تمتنع من الله عز وجل.
ظلم الزوجة، بعض الناس يمارس ضغطاً وظلماً على زوجته في التعامل السيئ، تجده طيباً وخلوقاً ومبتسماً ومنشرحاً مع الناس، فإذا دخل البيت غَيَّرَ الموجة: الابتسامة للناس، والنكتة للناس، والمزح للناس، لكن مع الزوجة القهر، والشدة في التعامل، والأوامر، والتسلط، والعنف، لماذا؟ من أخبرك أن هذا دين؟! بعضهم يقول: أريد أن أثبت شخصيتي، يقول: المرأة إذا ضحكت لها وكنت طيباً معها ركبت عليَّ، فأنا أريد أكون أعلى دائماً، من قال لك هذا الكلام؟ هذا الكلام غير صحيح، الصحيح أن تكون طيباً معها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً مع أهله، كان يقول:(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) والله سبحانه في القرآن يوصي الأمة ويقول: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:١٩] ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يودع الأمة في مرض وفاته: (الله الله في الصلاة -ثم قال:- ألا فاتقوا الدنيا، ثم أمر بالنساء قال: استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان) يعني: أسيرات، المرأة مسكينة أسيرة؛ فيجب أن تحسن معاملتها، وتحسن التعامل معها، وتبتسم في وجهها، وترفق بها، وأيضاً في نفس الوقت تتحملها، حتى لو تكلمت؛ لأنها لا تملك إلا الدفاع عن نفسها بالكلام، ليس بيدها شيء، بيدك أنت أن تطلق، وبيدك أن تضرب، وبيدك أن تهجر، وبيدك أن تتكلم، لكن هي لا تقدر على تطليقك، أو ضربك، أو هجرك؛ لأنها ضعيفة، فإذا أنت أحرقت أعصابها وسخنتها مرة واحدة، ودافعت عن نفسها بكلمة: اسكت، لكن بعض الرجال يريد آخر كلمة له ويريد أن تسكت هي، لماذا؟ أليست إنساناً؟! لا يجوز هذا.
هذا رجل جاء يشتكي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من سلاطة لسان زوجته، فلما وقف بالباب يطرقه وإذا به يسمع زوجة أمير المؤمنين تتكلم على عمر بن الخطاب؛ الذي تهابه الجن والإنس! الجن لا يمشون في طريقه، والإنس تهتز له كراسي كسرى وقيصر، ولكن زوجته تتكلم عليه، فلما سمع الرجل المرأة تتكلم وعمر ساكت مشى قال: لستُ بأحسن من عمر، ففتح عمر الباب وإذا بالرجل قد ولى، فدعاه، قال: مالك؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين! قال: عندك شيء ماذا تريد؟ قال: جئت أشكو زوجتي إليك؛ لأنها تتسلط عليَّ بلسانها، فسمعت زوجتك تتسلط عليك بأكثر من تسلط زوجتي عليَّ فسكت وقلت: لي فيك قدوة، فقال له: تعال يا أخي، ثم قال له: ألا يكفي أنها طاهية لطعامي، ومربية ولدي، وغاسلة ثوبي، وقاضية حاجتي؟! من يعمل لك هذه الأربعة: تربي ولدك، وتغسل ثوبك، وتطهو طعامك، وتقضي حاجتك!! تتحملك في كل شيء، ولا تتحملها في كلمة، إذا قالت كلمة فقل: حسناً، واخرج، وارجع ومن يوم ترجع ابتسم وهي تبتسم وانتهت المسألة، لكن بعضهم يجلس شهراً غضبان من أجل كلمة قالتها له، وربما يصل الأمر به إلى الطلاق، وإلى تشتيت شمل الأسرة؛ لسوء تصرفه، ولرعونته في أخلاقه؛ ولأنه ظالم، يريد كل شيء له ولا أن يريد يعطي المرأة شيئاً.
فظلم المرأة حرام، والمرأة التي تظلم من قبل زوجها ثم تدعو عليه فإن الله عز وجل ينتقم منه إما في الدنيا وإما في الآخرة.