[قوة البداية وحسنها لها أثر في استمرارية الإنسان على الإلتزام بدين الله]
السؤال
هناك مقولة تقول:"من لم يحترق في بدايته لم يتوهج في نهايته" ما مدى انطباق هذه المقولة على البداية الجادة القوية للتوجه الإيماني، والبداية الفاترة الهزيلة له؟
الجواب
هذه المقولة صحيحة إلى حد ما؛ لأن قوة البداية وحسنها لها أثر في استمرارية الإنسان في دين الله، أما ضعف البداية وعدم وضوح النية فيها فقد عده العلماء من أسباب الردة في دين الله عز وجل؛ أي أن الأشياء التي يُحبط بها دين الإنسان ويرتد بها عن الدين، هي أن تكون بدايته أصلاً لغير وجه الله، أو أن تكون هزيلة، أو لغرض مادي أو شهواني، فهؤلاء قليل منهم من يتجاوز الطريق ويصل، وغالباً ما ينقطع ويعجز عن الوصول؛ لأن الدافع في الأصل ضعيف، وحينما يكون الدافع ضعيفاً لا يمكن له أن يواصل السير.
لكن حينما تكون البداية قوية والدافع قوي، يترتب على هذا دفع قوي؛ لأن هذا دين الله، والله تبارك وتعالى يقول:{فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ}[الأعراف:١٤٥] ويقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً}[المزمل:٥] وطريق الإيمان طريق ليس مفروشاً بالزهور ولا بالورود، وإنما طريق شائك، طريق فيه تمرد على النفس، فيه تحرر على الطباع والشهوات، وفيه انقلاب على الأهواء والملذات، يُطلب منك إذا اهتديت أن تغير كل شيء، تغير سمعك فلا تسمع إلا شيئاً جديداً عما كنت تسمع، تغير نظرك وأصدقاءك، وطباعك، وبرامجك، وكتبك وأشرطتك، وتغير حتى أسلوبك في الأكل، والنوم، والتعامل، والسير في الطريق، كل شيء في حياتك يحصل فيه انقلاب رأساً على عقب.
أما الذي يدخل بضعف؛ فالضعيف لا يستطيع أن يقوى على شيء، فلا بد للمؤمن أن يدخل بقوة وبعنف وألا يتردد، هذه في مقامه مع نفسه.
أما مع غيره في أسلوب الدعوة فلا ينبغي له أن يكون عنيفاً؛ أي: مع نفسي آخذها بأعلى درجات الكمال، ولكن مع الناس آخذهم برفق؛ لأن الشدة معهم مصادمة ومضادة للأسلوب النبوي، أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي دلنا عليه وأمرنا به، والذي أخبرتنا به سنته هو اللين، يقول عليه الصلاة والسلام:(يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا) وكان ليناً صلوات الله وسلامه عليه: (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما) والله تبارك وتعالى يقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل:١٢٥] ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران:١٥٩].
فإذا كنت تدعو أخاك أو أمك أو أباك أو صاحباً لك يجب أن يكون هذا بتدرج ولطف ورفق، أما دعوتك لنفسك فبأقصى درجات الحزم؛ لأن النفس إن لم تحزم عليها، وتأخذها بقوة وتفطمها بعنف تمردت، والناظم يقول:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه إن الهوى ما تولى يصمي أو يسم
فخذ نفسك بالقوة، لا ترض أن تتزحزح، أو أن تتراجع، أو أن تتخاذل أمام شهوات النفس؛ لأنها أمَّارة بالسوء، ولكن لا تزال بها بقوة حتى تبلغ بها درجة اسمها درجة الاطمئنان، وهي النفس المطمئنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.