للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تكوير الشمس وتدميرها]

أيضاً من الأهوال في ذلك اليوم: تكوير الشمس والخسف الذي يحصل للقمر والتناثر الذي يحصل للنجوم؛ لأن هذه الشمس التي نراها كل يوم في كل صباح تغمر أرضنا بالضياء والحياة، وتمدنا بالقدر الوافي من الطاقة، وما يدب على هذه الأرض، لا يستطيع أن يعيش إلا بوجود هذه الشمس، وفي يوم القيامة تنتهي هذه الشمس ولا يبقى لها مجال ولا وجود، لماذا؟ لأنها انتهت: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:١ - ٣] إلى آخر الآيات.

أما النار يوم القيامة فإنها تُسعر أي: تشعل، النار هي الآن مشتعلة ولها نفس في الصيف ونفس في الشتاء، فنفسها في الشتاء أعظم ما نجد من البرد، وهو من زمهرير جهنم، ونفسها في الصيف الذي يصيب العالم كله، أعظم ما نجد من الحر وهو من صيف جهنم ومن حرارتها -والعياذ بالله- لكن يوم القيامة حين يقرب دخول الكفار والفجرة إليها تُسعر يعني: تذكى، قال الله: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير:١٢].

أما الجنة فإنها الآن مزينة، وقد أفلح من دخلها، قال الله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:١ - ٢] إلى آخر الآيات.

أيضاً يوم القيامة تزلف وتزين {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير:١٣] أي: قربت وأدنيت من أهلها، نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم من أهلها ووالدينا وإخواننا وأخواتنا وجميع إخواننا المسلمين، وفي ذلك اليوم يعلم كل واحد ما حضر وما قدم من العمل، يقول الله عز وجل: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:١٤] {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:٥] {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:٤٠] ومما قيل في هذا المعنى، قول أحد الشعراء:

مثل وقوفك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور

إذ كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير

وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور

وإذا البحار تفجرت من خوفها ورأيتها مثل الجحيم تفور

وإذا الجبال تقلّعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير

وإذا العشار تعطلت وتخربت خلت الديار فما بها معمور

وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت فتقول للأملاك أين نسير؟

وإذا تقاة المسلمين تزوجوا من حور عين زانهن شعور

وإذا الموءودة سئلت عن شأنها وبأي ذنب قتلها ميسور

وإذا الجليل طوى السما بيمينه طي السجل كتابه المنشور

وإذا الصحائف نُشرت فتطايرت وتهتكت للمذنبين ستور

وإذا السماء تكشطت عن أهلها ورأيت أفلاك السماء تدور

وإذا الجحيم تسعرت نيرانها فلها على أهل الذنوب زفير

وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت لفتىً على طول البلاء صبور

وإذا الجنين بأمه متعلقٌ يخشى القصاص وقلبه مذعور

هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور

نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يحيي قلوبنا، وأن يرزقنا الإيمان والعمل الصالح، وأن يثبتنا عليه حتى نلقاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.