[دور الشاب الملتزم في المجتمع الذي يعيش فيه]
السؤال
دور الطالب الملتزم بدينه مع زملائه في الصف، وإخوانه في المنزل، وجيرانه في الحي، هذا الموضوع يحتاج إلى بيان شافٍ من قبلكم، فتفضلوا علينا بذلك جزاكم الله خيراً؟!
الجواب
دور الشاب الملتزم تجاه إخوانه في بيته أوضحته فيما سبق، أما تجاه زملائه في الصف أو الأصدقاء في الحي أو الرفاق في المسجد والمصلى، فهو دور بارز وذو أهمية كبيرة ينبغي أن يوليها الشاب أكبر الاهتمام، وأول مرحلة ينبغي أن يتمسك بها هي القدوة؛ لأن القدوة دعوة عملية، تقنع الناس بصلاحية ما عندك أيها الشاب، وأقوالنا ما لم تكن مترجمة في سلوكنا وأعمالنا، وإلا فإننا ندعو الناس بألسنتنا إلى الإسلام، ونطردهم بأعمالنا من الإسلام، ودائماً الفعل أشد تأثيراً ووقعاً من القول، فالقول يسهل على كل واحد أن يقول، لكن الالتزام والفعل صعب جداً.
فأول ما ينبغي للشاب الملتزم أن يكون قدوة في سلوكه وتصرفاته مع زملائه، قدوة في التحلي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة: من الصدق، والعفة، والمروءة، والشهامة، والكرم، والنجدة، والصبر، والوفاء بالوعد، والبذل، والإخلاص، والتضحية، هذه كلها أخلاق إسلامية إذا توفرت فيك أحبك الشباب، وأحبوا أن يكونوا مثلك.
ثانياً: القدوة في العبادة، بحيث يرونك دائماً الأول: الأول في الصف، الأول في الروضة، الأول في كل خير، والأول في الندوة وفي جلسة العلم، بهذه الأولوية تكون قدوة؛ لأن الشاب الذي يراك يقول: لماذا هذا الأول وأنا لا أستطيع؟! لكن حينما يراك تأتي في مؤخرة الصفوف، وهو لا يأتي أصلاً فإنه لا يبالي، فلا بد أن تكون قدوة في العبادة إلى جانب القدوة في الأخلاق.
والقدوة الثالثة: قدوة في ترك المعاصي والذنوب؛ لأن الذنوب والمعاصي حجاب بين العبد وبين الله عز وجل، فإذا أردت من الناس ألا يقتدوا بك في هذه الأشياء فعليك أن تبتعد أنت بنفسك عنها، وعن ممارستها أو القرب منها، يقول لي أحد الشباب: كنت أسمع داعية يدعو إلى الله باستمرار في المساجد، يقول: فأتت مناسبة من المناسبات فذهبت أنا وإياه في وليمة، وكنت أقود السيارة وكان بجواري، يقول: وفي الطريق دخلنا على إحدى القرى، وفجأة عرضت أمامنا فتاة وكانت متبرجة، يقول: فأنا اعتبرت هذا الموقف بمنزلة الاختبار لهذا الداعية، فجلست أرصده، أرى ماذا سيفعل، هل سينظر، أم سيغض بصره؟ يقول: فنظرت إليه وأنا أقود وإذا به منكساً رأسه، نكس رأسه وهو يستغفر الله عز وجل، يقول: فكان لهذا الفعل منه أكبر الوقع والأثر في قلبي، إذ أن هذا العمل أثر بي أعظم من ألف موعظة سمعتها في غض البصر، لكن لما رأيته يغض بصره والمرأة أمامه وهو شاب مثلي، ولديه مثلما لدي من الرغبة في النظر، ولكن الذي منعه خوفه من الله، يقول: فغضضت بصري من ذلك الوقت، وأصبح هذا الموقف مرسوماً في عيني إلى أن أموت.
فالقدوة مطلوبة في ترك المعصية، ومطلوبة في الحرص على الطاعة، ومطلوبة في التحلي بالأخلاق الإسلامية.
ثم بعد القدوة ممارسة الدعوة بالأسلوب اللين عن طريق الإكرام، أهم شيء -أيها الإخوة- نستطيع به كسب الناس: إكرامهم، ومحبتهم، وإشعارهم بقيمتهم، وعزيمتهم، والإهداء لهم، ولو بالعبارة الطيبة، أو البسمة الطيبة، أو حتى بتقديم الحذاء له وهو خارج، أو بتقديم أي خدمة له، فبهذا أكسب مودته ومحبته، فإذا كسبته وأصبح يحبني عندها أي كلام ألقيه عليه يستجيب، ولهذا تعرفون كيف أن الله عز وجل اختار من البشر أحب الخلق إلى الخلق، صلوات الله وسلامه عليه، فكانوا يسمونه الصادق الأمين، وكان محبوباً على مستوى جميع طبقات قريش فكلهم يحبونه، فاختاره الله عز وجل لمنزلته من قلوب الناس، لكن لو اختار واحداً مبغوضاً فلن يحب أحد هذا الدين، لأنك إذا كرهت إنساناً كرهت الحق الذي معه، وإذا أحببت إنساناً أحببت حتى الباطل الذي عنده.
ولهذا ترون أن أهل الباطل الآن يجذبون الشباب بالمغريات، وعن طريق الرحلات والشهوات والهدايا، فنحن أولى بأن نجذب إخواننا وزملاءنا في الفصول؛ وفي المسجد، وفي الحي عن طريق الإهداء وكسب المحبة، ثم الرفق بهم، وعدم العنف، وعدم تحميلهم أكثر من طاقتهم، نريد أن يصبح الشاب وفق إمكاناته هو، لا وفق أن نسحبه سحباً؛ لأنك إذا سحبته ثم تركته انفلت وتفلت، لكن إذا مشى معك بذاته ثم تركته فلا يزل على مكانه.
فرق بين من تحمله وبين من يحمل نفسه، من تحمله أنت إذا تركته انفلت، لا ينفع إلا أن تجلس معه باستمرار، وإذا تركته أخذ ينظر إلى النساء، ويسمع الأغاني، لكن من يمشي معك وهو يحمل نفسه، إذا تركته فهو مكانه لا يزل، لماذا؟ لأنه يسير بنفسه لا بحملٍ منك، فدعه يسير على مقدار إمكاناته، وأما دورك فيكون في تشجيعه وفي حمله على أن يصير بنفسه لا بحمل منك أنت.