[انشراح صدر الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الطائف]
شرح الله صدر الرسول صلى الله عليه وسلم في مواقف تضيق فيها صدور الرجال، ولكن صدره كان منشرحاً: يخرج من مكة ويذهب إلى الطائف، وكان يلاحقه عمه أبو لهب بن عبد المطلب -والرسول صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب- وهذا الخبيث متخصص في تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في جمع من الناس يدعوهم إلى الله وإذا انتهى صلى الله عليه وسلم، قال لهم أبو لهب: من أنا؟ قالوا: أنت عمه، قال: والله! أنا أدرى به منكم، والله لو كان صادقاً لكنتُ أول من يصدقه، ولكنه كذاب، قالوا: مَن كذبه عمه كذبناه! فـ أبو لهب عدو لله ملعون، أنزل الله فيه سورة تتلى إلى يوم القيامة:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}[المسد:١] أي: خسرت يداه، وبارت صفقته، وعليه من الله ما يستحق.
ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عن طريق مر الظهران، وقطع المسافة في يومين، ونحن نقطعها اليوم في ساعة بالسيارة الأمريكية، ويقول الشخص منا إذا نزل: ظهري يؤلمني، وإذا قيل له: لماذا؟ قال: والله! أنا كنت مسافراً من الطائف!! عجباً؛ تقول هذا وأنت قاعد على السيارة وتزعم أن ظهرك يؤلمك، سبحان الله! وأنت في سيارة مريحة تنزل وتقول: إن ظهرك يؤلمك وأنت جالس، وهذا الرسول عليه الصلاة والسلام يمشي في الجبال الشاهقة، وهو أيضاً مطارد مكذب، حافي القدم، خاوي البطن، ليس معه شيء.
(ولما وقف على سوق عكاظ والناس موجودون في السوق، صعد على حجر ونادى في الناس: قولوا لا إله إلا الله، تفلحوا) فلما انتهى قام اللعين أبو لهب وراءه، وقال: يا قوم! من هذا؟ قالوا: ابن أخيك، قال: ومن أنا؟ قالوا: أنت عمه، قال: لو كان صادقاً ما كذبته أنا، أتصدقونه وأنا عمه أعلم به، قالوا: من كذبه عمه كذبناه! ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يريد النصرة منهم والدخول في الإسلام، لكنهم رفضوا دعوته ولم ينصروه بل أغروا به السفهاء، وجمعوا أطفالهم وقالوا لهم: خذوا الحجارة واطردوا هذا، وجاءوا وراءه صلى الله عليه وسلم يرمون ظهره وأقدامه بالحجارة حتى أُدميت رجلاه، وينزل وهو مكسور القلب، ويجلس تحت جبل ويقول دعاءً عظيماً:(اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس) نبي يوحى إليه، ويكذبه هؤلاء الكفار:(اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى صديق ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي) يقول: إن كان ما يأتيني ليس ناتجاً عن غضبك فلا أبالي، ولكن أخشى أن يكون هذا بغضب منك يا ربِّ! ثم قال:(غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح به أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك أو يحل بي عقابك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك).
كلام عظيم من صدر منشرح بالإيمان، ليس لديه أدنى شك في موعود الله، وبعد أن عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن انشراح صدره ينزل جبريل عليه السلام في تلك اللحظات، ويقول:(يا محمد! السلام يقرؤك السلام، ويقول: هذا ملك الجبال، إن شئت أن يطبق عليهم الأخشبين فعل) والأخشبان هما الجبلان اللذان في مكة، يعني: يضع أحدهما على الآخر فيقضي على أهل مكة جميعاً، لو كان صلى الله عليه وسلم رجلاً يحب الانتقام لنفسه بعد هذه المواقف المؤلمة الصعبة لقال: نعم.
هؤلاء ليس فيهم خير، مثل ما يقوله المتقولون، الذين إذا تعرض أحدهم لأي أذى في سبيل الدعوة غضب، وذهب يشتكي، وذهب يسب ويشتم، ولا يسمح ولا يحلم ولا يتنازل، ويقول: لماذا نتعرض للأذى، ونحن على حق؟! يا أخي! هل عرضك أعظم من عرض النبي صلى الله عليه وسلم؟! فمن أنت قياساً بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ فلا تشتك إذا تكلم عليك، ولا تضجر إذا كذبت، اصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، هذه طريق الأنبياء، ماذا قال صلى الله عليه وسلم؟ قال:(لا.
إني أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده) فنظرة النبي صلى الله عليه وسلم عالية، وليست نظرة عند أقدامه، بل هي نظرة بعيدة المدى تتجاوز ذلك الجيل، وقال: إني أرجو الله أن يخرج من أصلاب هؤلاء الكفار من يعبده، وبالفعل فقد تحقق للنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يرجوه، وأخرج الله من صلب أبي جهل: عكرمة، ومن صلب الوليد بن المغيرة: خالداً، ومن صلب العاص بن وائل: عَمْراً، ومن صلب أبي طالب: علياً، وهكذا الصحابة الشباب جلُّهم أو أكثرهم جاءوا من أصلاب الكفار، وهذه هي نظرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وبالله! مَنْ يقول هذا الموقف إلا من شرح الله صدره للإسلام؟!