[صفات النفس]
والحديث عن النفس البشرية أصدق حديث عنها إذا جاء عن الله؛ لأنه هو الذي خلقها ويعرف أسرارها، وقد ذكر الله عز وجل النفس البشرية في القرآن وبيَّن أن لها ثلاث صفات: ١/ نفس أمارة بالسوء.
٢/ نفس لوامة.
٣/ نفس مطمئنة.
فالنفس الأمارة بالسوء هي: طبيعة النفس، {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:٥٣] ليست آمرة، بل أمَّارة، صيغة مبالغة، أي: لا تأمر إلا بالسوء، ولا تحب إلا الشر، تكره القيود، وتحب الدَّعة والتفلُّت والنوم، تريد الاسترخاء والضياع والضلال واللعب، ألا ترى أنك عندما تصلي التراويح في المسجد في رمضان مع إمام يطيل الصلاة، وأطول صلاة الآن لا تستغرق نصف ساعة، أو ساعة إلا ربع، أو ساعة على الأكثر، كم تحس فيها مِن التعب مِن نفسك؟! وهي تتعبك في رجليك وركبتيك ونفسك، وتنظر فتقول: يا ألله يا ربِّ! وتنظر في الساعة، وتقول: طوَّل الإمام، إلى أن تخرج وقد تَمَلَّخْتَ، وإذا خرجت من المسجد وذهبت إلى السوق لتتقضَّى فإنك تمر في السوق أربع ساعات متنقلاً من معرض إلى معرض، ومن دكان إلى دكان، وترجع إلى البيت كأنك تمشي على ورد، ولا تحس بتعب، مَن تعَّبك في المسجد، وريَّحك في السوق؟! إنها النفس الأمارة بالسوء.
لماذا؟! لأنها تعرف أن جلوسك في المسجد فيه خير، وجلوسك في السوق فيه سوء، وضياع لحياتك، نظرة، خطرة، غفلة، مشكلة، معصية، إذاً هي ترغِّبك في الشر وتبعدك عن الخير، {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:٥٣].
هذه أصل طبيعة النفس، كل نفس بشرية أمارة بالسوء، لكن يتدخل الشرع وتأت أوامر الدين على هذه النفس فتغير من طبيعتها، وتجعلها أمارة بالخير، فتقاومُ النفس وتقول: لا.
لن آمر بالخير، سأبقى آمر بالشر؛ لكن يُعَيِّي الإنسان أن يأمرها بالخير إلا غصباً، ثم بعد ذلك تحصل مرحلة ثانية، فتصير هذه النفس لوامة.
ما معنى لوامة؟! قال العلماء: تدعو إلى الباطل، ثم تلوم عليه، تدعوك إلى الباطل، فإذا فعلتَه جاءت النفس وقالت لك: أين إيمانك؟! أين دينك؟! أين أنت؟! ألست مؤمناً؟! ألست متديناً؟! تزني؟! تسكر؟! تكذب؟! أين خوف الله؟! هذه هي اللوامة، وهذه مرتبة جيدة، أحسن من النفس الأمارة؛ لأنها تلومك قليلاً؛ ولكنها ترتقي بالمجاهدة، وبالعسف لهذه النفس، وبالتدريب، وبالمعاندة لها، إلى أن ترتقي إلى النفس المطمئنة؛ وهي النفس التي اطمأنت إلى الله، وسكنت إليه، اطمأنت إليه عقيدةً، واطمأنت إليه عبادةً، فاطمأنت إليه، فانتقلت من الجهل إلى العلم، ومن الظلام إلى النور، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الشك إلى اليقين، ومن حياة اللعب والفوضى إلى حياة الجد والانتظام، سكنت نفسك، اطمأنت، هذه النفس إذا اطمأنت يقال لها عند الموت: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي} [الفجر:٢٧ - ٢٨] فقد أديتِ واجبكِ، وقمتِ بمسئوليتكِ {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} [الفجر:٢٨] إلى فاطرك وخالقك، إلى الذي استجبتي لأمره، وانتهيتي عن نهيه، {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً} [الفجر:٢٨] في حقيقتها {مَرْضِيَّةً} [الفجر:٢٨] أي: مرضي عنها من قبل خالقها وفاطرها، {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:٢٩ - ٣٠] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذه النفوس.
لكن متى تكون نفسك مطمئنة؟! تحتاج منك إلى جهد وجهاد، تحتاج منك إلى تدريب هذه النفس، ومخالفة لهوى النفس، يقول الله عز وجل: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:٤٠] نهاها.
النفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ
الآن الشباب الذين نسميهم: الشباب الملتزم؛ شباب الصحوة، هؤلاء أناس كانوا عاديين، يسمعون الأغاني، ويفعلون المنكرات، ويتكاسلون عن الصلوات، وربما يتركونها، إي نعم؛ لكن حصل عندهم يقين، ويقظة في القلب، وشعور، وعرفوا أن الطريق الصحيح ليس هذا، وأن الطريق الصحيح هو الإسلام، فقرروا التوبة، وفَطَمُوا نفوسهم عن المعاصي، ما الذي حصل؟! لا شيء، كان الشخص منهم ينظر إلى الحرام، فقال: والله لن أنظر.
كان يسمع الغناء، فقال: والله لن أسمع.
كان ينام عن الصلاة، فقال: والله لن أنام، سأقوم لأصلي.
ماذا حصل؟! هل حصل شيء؟! لا.
النفس عندما رأت الجد منه استكانت؛ لأن النفس -كما يقول ابن القيم - كالفرس، إن وجدت خيَّالاً ماهراً مشت واستسلمت وأذعنت، وإن وجدت خيَّالاً عاثراً ولا يعرف، رَفَسَتْه، وأسقطته، وداست على بطنه ومشت عليه.
لماذا؟! لأنه ليس بماهر.
وكذلك أنت كن ماهراً مع هذه النفس، زُمَّ خطامها، ولذلك جاء في الحديث عند أحمد والترمذي: يقول عليه الصلاة والسلام: (الكيِّس -العاقل صاحب اللب- مَن دان نفسه -أي: أدانها، دائماً هي المدينة أمامه- وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني).
النفس العدوة ينبغي لك أن تنصِّب نفسك لمجاهدتها، أي: تحارب نفسك، أنت تحارب نفسك، تحاربها على طاعة الله، تحاربها ضد معصية الله، تلزمها إلزاماً، تضربها بسوطِ التخويف بالنار، تشدها بشوقِ الترغيب في الجنة، مَنِّها بما في الجنة، خوِّفها بما في النار، ستجدها تمشي معك، وإذا مشت استرحت؛ لأن مِن الناس مَن هو حمارُ نفسه، تهدبه نفسُه في كل مكان، ومِن الناس مَن نفسُه حماراً له، يمشِّيها كيفما يريد.
هذه هي النفس، وهذه أقسامها، ثلاثة أقسام: ١/ نفس أمارة بالسوء: وهي نفس الفاجر.
٢/ نفس لوَّامة: وهي نفس المسلم الضعيف.
٣/ نفس مطمئنة: وهي نفس المؤمن القوي، الذي نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم من أهل هذه النفوس.