[حقيقة الحياة في هذه الأرض]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الضيوف الأعزاء: أنتم ضيوف على الجميع، ليس على المعهد فقط، وإنما على المنطقة بأسرها، حياكم الله ومرحباً بكم.
أيها الإخوة الأفاضل من المدرسين، وأيها الأبناء الكرام من الطلبة: أشكر بالدرجة الأولى الشيخ محمد بن أحمد بارك الله فيه، والإخوة المشرفين على برنامج التوعية الإسلامية في المعهد المبارك، أشكرهم على إتاحة هذه الفرصة التي ألتقي فيها بكم، وإن كنتُ حقيقةً لا أقول هذا تواضعاً، وإنما هي الحقيقة التي أعرفها من نفسي، قد أنفع في مجالات في بعض المساجد وأمام بعض المستويات التعليمية، ولكن أمام طلاب العلم في المستويات المتقدمة، في الثانوية، وفي المعاهد العلمية، وأمام العلماء، لا أجد لديَّ شيئاً أستطيع أن أقوله، وليس لدي بضاعة أستطيع بيعها؛ لأن بضاعتي مزجاة، وباعي قصير، ومتاعي قليل، ولكن قد أرغمت على النزول في هذا الميدان، فكان لا بد من النزول عند رغبة الإخوة، رغم علمي -مقدماً- بأن الفائدة محدودة، ولكن نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل البركة فيما نقول ونسمع.
أيها الإخوة: ما هذه الحياة؟ من الذي ألبسنا ثوبها؟ ومتى سنخلع هذا الثوب؟ ولماذا جئنا إليها؟ هذه الحياة سرٌ غامض، ولغزٌ محير، حارت في فهمه العقول والألباب في القديم والحديث، ولم تجد الإجابة الصحيحة عليه، وظلت البشرية حائرة، وستظل حائرة إلى أن تجد الجواب الصحيح الذي يجيب على تساؤلاتها، تلك التساؤلات التي تتردد في ذهن كل إنسان من أين جئت؟ وإلى أين سأذهب بعد أن يتم دوري على مسرح الحياة؟ ولماذا جئت؟ وما هي رسالتي؟ وما هي مسئوليتي؟ وما هو دوري؟ هذه الأسئلة -أيها الإخوة- أسئلة محيرة في الحقيقة، وحينما يطلب من البشرية أن تجيب عليها من ذاتها فإنما يُطلب منها المستحيل؛ لأنه لا يمكن أن تجد الإجابة الصحيحة من عندياتها ومن ذاتها، إلا بتلقٍ آخر من عند الذي خلق هذه الحياة وأوجد هذا الإنسان، وهو الله الذي لا إله إلا هو.
وكما يقول العلماء: العقل لوحده ليس كافياً لإدراك العلوم والمعارف.
العقل والذكاء والعبقرية والتفرد والنجابة، هذه لا تكفي فقط لإدراك العلوم والمعارف إلا عن طريق معلم، فلو جئنا بطفلٍ صغير، أو شابٍ من الصحراء، أو من أغوار تهامة، أو من شعث الجبال، وهو لا يعرف مفردات اللغة العربية، وطلبنا منه أن يقرأ رسالة بعقله وبذكائه وعبقريته، هل يستطيع؟ لا يستطيع ولو كان ذكياً، لا بد أن يتعلم الحروف الأبجدية، ولا بد أن يتعلم كيف يفك الكلمة، وكيف يحللها إلى مفرداتها، ثم بعد ذلك سوف يقرأ.
وعلى هذا قس كل العلوم، إذا أتيت بمسألة رياضية من المعادلات ذات المجهول أو المجهولين، وطلبت من إنسان لا قرأ الرياضيات ولا درسها أن يحلها بذكائه، فلن يستطيع، وإذا أتيت برسالة باللغة الإنجليزية، وطلبت من مدرس اللغة العربية الذي يعرف أسرار اللغة العربية كلها وقواعدها ومشتقاتها، وقلت له: اقرأ لي هذه الرسالة باللغة الإنجليزية، لقال لك: لا أستطيع، وإذا قلت له: أنت أستاذ في اللغة العربية، أنت ذكي وتفهم، اقرأها، لقال: لا أعرف؛ لأني ما درست هذا العلم! أجل، نصل إلى نتيجة وهي: أن العلوم لا تدرك بالعقل لوحده، بل لا بد من معلم، وما هذه المنجزات الحضارية التي تعيشها البشرية اليوم إلا وليدة مراحل متعددة من التجارب، مر بها الإنسان من بدايته إلى يومنا هذا، وأدخل بعض التحسينات على هذه المراحل، حتى وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه من العلوم والمنجزات والمخترعات، لكن علم الآخرة؛ علم ما بعد هذه الحياة، علم لماذا جئت أنت لهذه الحياة؟ رسالتك ووظيفتك، هل يمكن أن تهتدي إليها بالعقل لوحده؟ لا.
لا بد من وجود معلم يعلمك ويقول لك: أيها الإنسان! أنت جئت لغرضٍ هو هذا، وأنت بعد هذه الحياة سيحصل لك شيء هو هذا، ومن الذي يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة؟ لا يستطيع أن يجيب عليها إلا الذي أوجد الحياة، والذي خلق الإنسان وأرسل الرسل، وبين للإنسان مهمته ووظيفته على هذه الحياة، وبين له ما سيكون بعد هذه الحياة في الدار الآخرة.
وإذا أرغم إنسان على أن يجيب إجابةً على علمٍ لا يعلمه، فإن الإجابة بالطبع ستكون خطأ، أليس كذلك؟ إذا أرغم إنسان على الإجابة على شيء لا يعرفه وعبر هو عن عجزه وقال: والله لا أعرف أن أقرأ الإنجليزي، قلنا: إما أن تقرأ وإلا ذبحناك، لا بد أن تقرأ الإنجليزي، فماذا سيكون الجواب؟ سيقرأ، لكن هل سيقرأ إنجليزي؟ سيأتي برطانة من عند نفسه، ويشعر فيها السامع أنها ليست عربية ولا هي أي نوع آخر، وإنما كلام ملفق، وستكون الإجابة خطأ، والنتائج تبعاً لذلك ستكون غلطاً وخطأ، وهذا هو الذي حدث للبشرية يوم أن طلب منها أن تجيب على أسرار هذه الحياة: ما هذه الحياة؟ من أين جاء الإنسان؟ وإلى أين سيكون بعد أن يموت؟ ولماذا جاء؟ لا تدري البشرية لماذا، ولكن لما أرغمت على الإجابة أجابت من عندياتها بإجاباتٍ خاطئة؛ وترتب على هذه الأخطاء أن بقيت النتائج كلها خطأ، وأصبحت البشرية تئن من ويلات تلك الأخطاء، وتعاني منها رغم تطورها المادي، فإنها وإن استطاعت أن تسبح في الفضاء، وأن تخوض في غمار العلم، وتغوص في الماء، وتخترع كل هذه الإنجازات، إلا أنها لم تستطع أن تسير شبراً واحداً أو خطوة واحدة في طريق الخير والنفع العام والصالح للبشرية، بل كل خطواتها من أجل تدمير البشرية، أجل.
كيف حصلت الإجابات الخاطئة؟