[إبليس وطرده من الجنة]
ما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطرده، ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه، وجُعِلَت صورته أقبح وأشنع صورة؟! ومثَّل اللهُ شجر النار وطلعها وثمرها برءوس الشياطين، يقول عز وجل: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا} [الصافات:٦٤ - ٦٥] أي: ثمرها {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:٦٥] يقول المفسرون: مثَّل الله للناس برءوس الشياطين، فهل رأى الناس رءوس الشياطين؟! لا.
لكن ماذا تتوقع في مخيلتك أن يكون رأس الشيطان؟! أيكون جميلاً؟! لا.
ولذلك المبدعون وأصحاب الخيال الذين إذا رسموا صورة شيطان، كيف يظهرونه؟! يظهرون له قروناً، ولساناً طويلاً، وعينيه قبيحة، لماذا تقول حين تراه: أعوذ بالله؟ لأنه شيطان! أي نعم.
كذلك الشيطان جعل الله لصورته في أذهان البشر كلهم أقبح صورة، واذهب بخيالك في تصوراتك عن الشيطان وستجد أن خيالك ينتهي في تقبيح صورة الشيطان، وستجد أن الشيطان أقبح مما ذهب إليه خيالك، نسأل الله ألا نرى الشيطان، أتدرون من الذين يرونه؟! أهل النار، أما أهل الجنة فيرون الله عز وجل، كما جاء في الآية الكريمة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣].
وفي الحديث في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامُّون في رؤيته) إذا رأيت القمر ليلة النصف، هل تحتاج إلى من يقول لك: تعال أُرِيْك القمر؟! بل هو واضح، تنظر إليه، وهكذا سترى الله كما ترى القمر من غير صعوبة؛ ولكن في أول الشهر إذا كان القمر هلالاً، ورآه أحدالناس وقال: القمر رأيتُه في أول يوم، فيأتي الثاني فيقول: لم أره أين هو؟ ويأتي الثالث فيقول: أين هو؟ فتضمُّه إليك، هذا معنى: (لا تضامُّون) أي: يضمُّ بعضُكم بعضاً حول الذي رأى، ثم يمد يده يقول: انظروا إصبعي، تحققوا من إصبعي، انظروه، انظروه، هذه هي المضامَّة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم سترون الله كما ترون القمر ليلة البدر -أي: في الليلة الخامسة عشرة، ليلة الإبدار- لا تضامُّون في رؤيته).
أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن ينظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة؛ لأن هذه النعمة هي أعظم نعمة على أهل الجنة، ولا تأتي ابتداءً، ولكن تأتي بعد دخول الناس الجنة، وتقسيمهم على منازلهم ودرجاتهم، وإجراء الأرزاق عليهم، وإعطاء كل واحد الزوجات، والولدان، والحور، والقصور، والحبور، وهم في النعيم يأتيهم خبر أن الله يتجلى لهم، كما قال ابن القيم في النونية:
ويرونه سبحانه من فوقهم نظر العيان كما يُرَى القََمَرانِ
أي: كما ترى الشمس والقمر.
أهل النار لا يرون الله، يقول الله في أهل النار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ} [المطففين:١٥ - ١٦] هذه النهاية، وفي النار يرون الشيطان.
وورد في الحديث أنه ينصب للشيطان منبر من نار في جهنم، ويصعد عليه الشيطان ويُلقي خطبة على أهل جهنم، كلهم يسمعونه، وذكر الله الخطبة في القرآن في سورة إبراهيم، يقول عز وجل: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} [إبراهيم:٢٢] لما قضي الأمر، أي: أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، يقف فيقول: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:٢٢].
ورد في التفسير أن هذه الكلمة على أهل النار أعظم من عذاب أهل النار؛ لأنه عذاب نفسي، إذ ليس أشد على النفس ممن يورطك ويورطك ويورطك إلى أن تتورط، ثم يقول: ليس ليَ سلطان! من الذي قال لك؟! أنت الذي أطعتني! وهذا هو عمل الشيطان، يورِّط الناس ويقول: ما لي عليكم من سلطان، ما أخذتكم بعصا ولا (بِمِشعاب) ولا بدفتر ولا كتاب: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ} [إبراهيم:٢٢] أي: وسوستُ لكم، {فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:٢٢].
انظر الناس الآن -والعياذ بالله- وراء الشيطان مثل الكلاب، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم وهم ينفرون منه ويفرون إلى الشيطان، فيقول لهم: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:٢٢].
وماذا بعد ذلك؟ قال: {فَلا تَلُومُونِي} [إبراهيم:٢٢] ما فعلتُ لكم شيئاً، {وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:٢٢].
فهل هناك فزعة؟! قال: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ} [إبراهيم:٢٢] يقول: والله ما أفزع لكم إذا صرختم وصحتم: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم:٢٢] وفي هذه اللحظة يتمكن أهل النار وهو يخاطبهم من رؤيته -نسأل الله ألا نراه، لا في الدنيا ولا في الآخرة- وبُدِّلت صورتُه بأقبح صورة، بل وأقبح من معصيته؛ لأنه لم يسجد لله سجدة! كيف بمن لم يطع الله في الصلاة وفي غيرها؟!