[التقرب إلى الله بما افترض والزيادة من النوافل]
(من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بعمل أحب إليَّ مما افترضته عليه) أحب عمل تتقرب به إلى الله ما افترضه الله عليك، ما الذي افترض الله عليك؟ افترض الله عليك التوحيد، أول فريضة توحيد الله، إفراد الله بالعبادة، توحيد الله بالألوهية، وتوحيد الله بالربوبية، وتوحيد الله بالأسماء والصفات، وفي الألوهية بألا تصرف شيئاً من أنواع العبادة إلا له، وفي الربوبية بألا تعتقد أن الخالق، أو الرازق، أو المحيي أو المميت، أو المعطي، أو النافع أو الضار، أو المانع إلا الله، في الأسماء والصفات أن تثبت لله كل اسم وكل صفة أثبتها لنفسه أو أثبتها له رسوله، وأن تنفي عنه كل ما نفى عن نفسه ونفى عنه رسوله صلوات الله وسلامه عليه.
والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم فريضة؛ لأن الله يقول في القرآن الكريم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١] ويقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧] فمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فريضة، ما معنى المتابعة؟ أن تتخذه قدوة لك، فلا تزد ولا تنقص؛ لأنك إذا زدت ابتدعت، والزيادة في الدين بدعة، ولو كانت حسنة كما يقول بعض الجهلة يقول: نحن نزيد في الدين زيادة حسنة، نقول: لا.
لا توجد زيادة حسنة: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) الذي يزيد في الدين كالذي ينقص منه، يسعنا ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم وما وسع الصحابة وما وسع سلف هذه الأمة.
من أين جاءت هذه؟ أخذناها من كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا إله إلا الله توحيد الله، محمد رسول الله متابعة الله.
ثالث فريضة: الصلاة الزكاة الصيام الحج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الله يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠] تنهي عن المنكر بلسانك أو بيدك، وأضعف شيء بقلبك، هل هناك أحد لا يستطيع أن ينكر المنكر بقلبه؟ لا يوجد أحد لا يستطيع؛ لأنك تستطيع ولا أحد يدري ماذا في قلبك، فإذا علم الله أنك تكره المنكر فأنت مؤمن، وإذا الله علم أنك تؤيد المنكر وتحب المنكر فكما يقول عليه الصلاة والسلام: (وليس بعد ذلك من الإيمان حبة خردل) الذي لا ينكر المنكر حتى بقلبه هل هو مؤمن؟ لا.
من جاهد بيده فهو مؤمن، ومن جاهد بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهد بقلبه فهو مؤمن، ولكن من رضي وتابع.
الدعوة إلى الله فريضة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:١٢٥] من يحمل الدعوة إن لم تحملها أنت؟ اليهود والنصارى؟! ليس معنى كونك داعية أن تكون واعظاً وخطيباً وعالماً كبيراً لا.
ادع نفسك وادع زوجتك، الذي يدعو زوجته وتهتدي على يديه يبعث مبعث الأنبياء يوم القيامة؛ لأن النبي من بني إسرائيل يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، والنبي يأتي ومعه الرجل والنبي يأتي ومعه الرجلان، والنبي يأتي ومعه ثلاثة وهكذا، فالذي يدعو زوجته وأولاده داعية، والذي يدعو زوجته وأولاده وأسرته ومحيطه الأسري فهو أفضل، وكذلك الذي يتوسع قليلاً في حارته ومجتمعه وهكذا كلما زدت زاد الخير.
قراءة القرآن فريضة {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:٤] الحب في الله فريضة، البغض في الله فريضة، هذه الفرائض تتقرب بها إلى الله عز وجل.
يقول عليه الصلاة والسلام: (وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) متى يحبك الله؟ إذا عملت النوافل، انظر التفريق بين المحبة للعمل والمحبة للعامل، المحبة للعمل إذا قدمته وهي الفرائض (وما تقرب إليِّ عبدي بعمل أحب إلي -أحب إلى الله- مما افترضته عليه) هذا يحبه الله، لكن أنت متى يحبك؟ إذا عملت شيئاً آخر مع الفريضة، ما هو الشيء؟ النوافل (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) يصلي العشاء أربع ركعات، لكن يقول: يا ربِ! أربع قليلة، يمكن أنني ما وفيتها ويمكن غفلت فيها، سأزيد اثنتين نافلة، ويذهب إلى البيت وقبل أن ينام يزيد اثنتين أو أربعاً أو ستاً أو ثماناً، ثم يصلي الوتر، وبعضهم يوفقه الله فينام ثم يستيقظ آخر الليل قبل الفجر بساعة أو ساعة إلا ربع أو نصف ساعة فيصلي اثنتين أو أربعاً أو ستاً أو ثماناً ثم يوتر، هذا يتملق لله، هذا يطلب عفو الله، هذا يقول: يا ربِ! أنت أحببت العمل فقدمته، والعامل أريد أن تحبه يا رب، فكيف تقبله؟ الله لا يقبلك ولا يحبك إلا بالنوافل (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) فيصلي الصلاة ويصلي وراءها نوافل، ويصوم رمضان ويصوم بعده ستة أيام من شوال، ويصوم يوم عرفة، ويصوم اليوم التاسع والعاشر من عاشوراء، ويصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويصوم الإثنين والخميس من كل شهر إذا وفقه الله وقدر على ذلك، ويزكي المال في رمضان أو في غيره إذا حال عليه الحول، وكلما رأى مسكيناً أعطاه، خاصة إذا قال لك المسكين: لله، انتبه! لا تقل: لا يوجد، فيجعله ربي حقاً، فتظل تبحث لا تجد شيئاً يجعلك الله فقيراً.
يحدثني أحد الإخوة في مكة المكرمة عن رجل من أهل الخير في مكة خرج من المسجد الحرام وسيارته واقفة أمام الموقف وهو من الأثرياء ومن الوجهاء، وقصد سيارته وركبها وشغلها، فوقف عليه رجل من الفقراء المساكين وقال له: لله ريال أتعشى به -وما أكثر الفقراء في مكة - يقول: ريالاً فقط آخذ به سندوتشاً أو عصيراً أو بسكويتاً أتعشى به -الرجل هذا من أهل الخير وينفق، لكن يقول: قد شغلت السيارة وقد وضعت رجلي على البنزين وأريد أن أمشي، والأمر يحتاج أني أقف، وأدخل يدي في جيبي وأخرج ريالاً أو خمسة أو عشرة وأعطيه- فيقول: تكاسلت عن العمل هذا فقلت له: على الله، يقول: فنظر الرجل إلى سيارتي (١٥٠٠٠٠) ألفاً، وجيوبي وبطني منتفخة، وأقول لا يوجد شيء (على الله) يقول: فنظر لي بعين وقال لي: على الله! نعم.
رزقي على الله وليس عليك، أنا ما سألتك لي سألتك لله، وما دام عييت فليس رزقي عليك، الذي خلقني سوف يرزقني ويعطيني أعظم مما تعطيني، يقول: ثم تركني، يقول: وبينما كان يدور الحوار بيني وبينه كان هناك امرأة تبيع (الفصفص) وتبيع الحلويات فنادت الرجل وأدخلت يدها في كيس وأعطته ريالاً -انظر الملايين ما نفعت، وهذه التي يمكن ليس لديها إلا هذا الريال أخرجت الريال وأعطته- يقول: فلما رأيتها تعطيه ريالاً وأنا معي الملايين ولم أعطه ريالاً شعرت كأن شخصاً ضربني في قلبي بخنجر، وقلت: ما قيمة ملاييني وما قيمة حياتي، يقول: فأوقفت السيارة وأدخلت يدي في جيبي وأخرجت عشرة ريال ونزلت أبحث عن الرجل، يقول: بحثت عنه فما وجدته، ويقول: فكأن من سحبني وقادني إلى تلك المرأة فأعطيتها العشرة، أنفقتْ ريالاً فرد الله لها عشرة؛ لأن الله يقول: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:٣٩] {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:٢٧٦] فكان درساً لهذا الغني.
فعليك أن تنتبه، الفقير الذي يسوقه الله لك نعمة من نعم الله عليك، إذا ساق الله لك فقيراً وأنت في سيارتك أو في دكانك أو في مكتبك فهو نعمة ساقه الله إليك من أجل أن تنال الثواب على يديه، فلا ترده ولا تنهره انتبه! {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:١٠] أعطه ولا تقل: ليس عندي شيء، إلا إذا لم يكن عندك شيء حقاً، لكن أن يكون جيبك مليء بالمال فتقول: ليس عندي شيء، لكن للببيسي نخرج الأموال، وللماء نخرج الأموال، وللدخان نخرج الأموال، وللجرائد نخرج الأموال، وللغداء وللعشاء وللسمك وللدجاج والأكل والشهوات، واللِعب واللُّعَب والأطفال نخرج الأموال، أمَّا لله فنقول: لا يوجد شيء، إذاً فمن الذي أعطاك المال؟! الله، يقول الله عز وجل: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:٣٣] الله يقول: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:٦] ما الذي غرك بالله؟ غرك المال؟ المال مال الله، جئت إلى الدنيا وأنت عارٍ لا تملك خرقة واحدة، والله رزقك ورفعك وأعطاك مالاً فلماذا تبخل؟ فلا بد أن تنفق من المال في غير الزكاة.
وأيضاً الحج تحج الفريضة وتحج النافلة، تعتمر الفريضة وتعتمر النافلة، تقرأ القرآن تأمر بالمعروف تنهى عن المنكر تزيد في النوافل، لماذا؟ لتكون محبوباً عند الله، فإذا أحبك الله ماذا يحصل؟ اسمعوا وهنا الشاهد من الحديث قال: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به) يصبح بصرك بصيرة ربانية، تنظر بنور الله، تسمع بأمر الله، تتكلم بأمر الله، عبداً ربانياً، لا تنظر إلى ما حرم الله؛ لأن نظرك رباني، نظرك محكوم بأمر الله، لا تسمع شيئاً حرمه الله؛ لأن أذنك أذن ربانية تضطرب وتهتز لأقل معصية لا ترضي الله عز وجل، (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه) فتقوم العلاقة بينك وبين الله عامرة، إذا سألت الله يعطيك.
قد يقول أحد الناس: أنا أسأل ولا يعطيني ربي، الله يعطيك لكن ليس الآن، إذا سألت وأنت حبيب الله فإن الله يستجيب لك بأحد ثلاثة أمور: إما أن يعطيك سؤالك، وإما أن يعطيك إياه في الآخرة، وإما أن يرد عنك من القضاء والقدر المر بقدر هذا الدعاء، فلا ينزل عليك شيء، (ولا يرد القضاء إلا الدعاء) هذا حديث في الترمذي والدعاء والقضاء يصطرعان بين السماء والأرض، فإذا نزل القضاء نزل مخففاً، وأحياناً يكون الدعاء أقوى من القضاء فيرده بإذن الله عز وجل، حتى ورد في الحديث: (إن المؤمن يوم القيامة ليعطى حسنات كأمثال الجبال