للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدعاء]

يقول الله عز وجل في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم، حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وفيه ثمان مرات: يا عبادي يا عبادي يا عبادي ومن ضمنها (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) كان سيد الهداة فيما روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بالليل بقوله: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) فسيد الهداة يقول: اهدني، فلتكن الهداية أول شيء تطلبه من الله، وعليك أن تتملق لربك، وأن تمرغ وجهك في الأرض لله، وتقول: (يا ربِّ اهدني فيمن هديت، يا ربِّ ثبتني على دينك) فأهل الإيمان يقولون: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ} [آل عمران:٥٣] ويقولون: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} [آل عمران:١٩٣] ويقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:٨] فاطلب الهداية من ربك! يقول الله: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠] فهذا وعد من الله عز وجل، وأمر منه بالدعاء، ووعد منه بالإجابة، فإذا امتثلت الأمر فدعوت الله فلن يخلفك ما وعدك أبداً، إلا إذا وُجِدَت موانع! وتوجد أحياناً موانع لإجابة الدعوة، والموانع هذه منك فعليك أن تجتنبها وعندئذٍ تأتيك المنن من الله، لكن إياك أن تضع عقبات بينك وبين الله، لأنه إذا كان بينك وبينه عقبات فلن يأتيك شيء من إجابة دعائك.

وليس هذا مقام التفصيل فيما يتعلق بموانع الدعوة، ولكن ادعُ الله {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦] {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:١٨].

فأول سبب من أسباب شرح صدرك: أن تدعوَ الله في ذلك، ومتى تدعو الله؟ عليك أن تتحرى الدعاء في أوقات الإجابة ومنها: الثلث الأخير من الليل والناس نيام، فقم وتوضأ وصل ركعتين واسجد، وفي السجود ألح على الله، قدّم السؤال وقدّم العريضة ولا تنصرف بسرعة، إلا إذا شعرت أن الله قبلك، وكيف تشعر؟ إذا بكيت ورق قلبك، معنى هذا أن عريضتك قبلت، فلا مانع من دخولك على الله.

أما إذا كان قلبك متحجراً فاعلم أنك لم تكن صادقاً في دعائك، ليس عندك حقيقة الإلحاح؛ لأن هناك فرقاً بين من يسأل وهو مُلح، وبين من يسأل وهو مستغن، مثلاً -ولله المثل الأعلى- عندما يأتيك فقير يقول: أعطني من فضلك، وتقول له: ليس عندي شيء، ينصرف عنك، لكن لو كان مُعرَّضاً للموت جوعاً وقال: أعطني من فضلك، فتصرفه، فيأتيك ويلحقك، فتقول له: ليس عندي شيء، فيقول لك: من فضلك ما عندي غداء من فضلك أعطني ريالاً، فتصرفه ثم يلحقك، ويقول: يا أخي! طلبتك مرة، وثانية، والله! ما ردني عليك إلا الحاجة، والله! ما عندي شيء أعطني بالله عليك ريالاً، تصرفه وتقول له: اذهب -يا شيخ- أنا ليس عندي ما أعطيك، يلحقك مرة رابعة، فعندئذٍ تعطيه ريالاً ولو لم يكن معك غيره، لأنه ألح عليك وأحرجك، وكذلك (إن الله ليحب الرجل الملحاح في الدعاء) يقول:

لا تسألنّ بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب

فما على باب الله من حاجب:

الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب

لأن ابن آدم فقير، والفقير يسأل فقيراً، بينما الله غني، والغني مهما تسأله فلا يمل سؤالك، بل كلما سألته أعطاك، كما جاء في الحديث يقول الله: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) أدخل مخيطاً (إبرةً) في المحيط الهادي وأخرجه، فما الذي يخرج معه من الماء بالنسبة للمحيط؟ هذا مثل الذي ينقص من عند الله، والباقي في خزائن الله، فاسأل الله تبارك وتعالى من فضله.

وأول شيء تسأله من الله الهداية، فتدعوه في جوف الليل، وبين الأذان والإقامة، وبعد صلاة العصر يوم الجمعة إلى المغرب، وحين صعود الخطيب إلى المنبر يوم الجمعة، وحين نزول المطر، وهناك أوقات أخرى قد ذكرها الشرع، وهذه الأوقات مظنة الإجابة، المهم كلما رفعت يدك قل: (اللهم اهدني فيمن هديت).