للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أهداف الزواج: اختيار ذات الدين]

تختلف دوافع الزواج وأهدافه وأغراضه من شخص لآخر، ومن بيئة لأخرى، بحسب اختلاف نظرة الإنسان إلى هذه الحياة, فبينما نجد البعض يهدف في نظرته ودوافعه من الزواج إلى مستوى لا يرقى إلى معنى الإنسانية, حين يجعل الهدف محصوراً في المتعة الجسدية، واللذة الجنسية التي يشاركه فيها الحيوان والبهيمة, نجد الإسلام لا يقر شيئاً من هذه التصرفات، وإنما يهدف من وراء الزواج إلى عقد رابطة روحية سامية فاضلة، تنظر إلى كل متطلبات الإنسان بشقيه وجانبيه المادي والروحي.

ولذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يبين الأهداف الرئيسة التي يقصد من ورائها الزواج في الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري في الصحيح: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك).

لمالها: أصحاب رءوس الأموال هم أتباع اليهود؛ لأن اليهود أشد الناس حباً للمال، قال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:٩٦] حياة اليهودي كلها تدور حول فلك الريال, ولذا سيطروا الآن على رءوس أموال العالم كله, فالذي عنده نزعة لحب المال فيه شبه منهم.

ولحسبها: أتباع أبي جهل , الجاهليون الذين لا يؤمنون بما ورد في كتاب الله، ففي سورة الحجرات قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:١٣] هذه الآية مرفوضة عند الجاهليين, يقولون: لا.

هناك ذكر (أصلي) وذكر (تقليد) والله يقول في آدم وحواء: ذكر وأنثى, والذي لا يؤمن بهذه الآية يكفر بالقرآن, والذي يكفر بالقرآن يخرج من دين الله, البشر كلهم يرجعون إلى آدم وحواء, الوضيع والشريف، والكبير والصغير، (والقبيلي) و (غير القبيلي) هذه الطبقيات التي يتعارف الناس عليها الآن ما أنزل الله بها من سلطان, لقد جاء الإسلام وأعلن وحدة الجنس البشري, وأعلن أن الناس سواسية كأسنان المشط، وأن سبيل التفاضل بينهم هو التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ} [الحجرات:١٣] لماذا؟ لتتفاضلوا؟ لا.

بل {لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:١٣] فالجاهليون يبحثون عن الحسب, وإذا جاء صاحب الدين يريد أصله وفصله, ولا يقول: ما دينك؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! والثالث وهم أصحاب الجمال: وفيهم شبه من النصارى؛ لأن النصارى شقر العيون وشقر الشعر، وفيهم مسحة جمال, فكثير من الناس فيه لذعة من هؤلاء، إذا جاء الشخص بدأ يتفقد ما لونه؟ كم طوله وعرضه؟ كيف عيونه؟! وكيف فمه؟ وكيف خدوده؟ وكيف شكله؟! ولا يسأل عن دينه وصلاته وخوفه وبكائه وخشيته من الله عز وجل.

ثم قال: ولدينها: هذه الأخيرة من صفات أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, هذا هدف أهل الإيمان، والحديث في صحيح البخاري: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) فالزواج بذات الدين هو الزواج الناجح، وإلا أحاط بالإنسان سوء النتيجة، وخسران البضاعة، كمن لا يجد في يديه شيئاً غير التراب بعد السعي الطويل والعمل الكادح, تربت يداك إذا تزوجت بواحدة من أجل مالها، يقول: (لا تزوجوا النساء لمالهن فعسى مالهن أن يطغيهن, ولا تزوجوا النساء لجمالهن فعسى جمالهن أن يقبحهن, ولا تزوجوا النساء لحسبهن) ثم قال في حديث آخر: (من تزوج المرأة لمالها أورثه الله فقرها, ومن تزوجها لجمالها أورثه الله قبحها, ومن تزوجها لحسبها أورثه الله مذلتها, ومن تزوجها لدينها أورثه الله بركتها)؛ لأن المال والجمال والحسب وإن كان من متطلبات الزواج إلا أنه لا يصح أن يكون أساساً لهذه العلاقة المتينة، إذ لا بد من شيء أقوى من شهوة المال والحسب والجمال وإلا لانهارت هذه الصلة, ولكن إذا تزوج بذات الدين، وكان مع الدين جمال ومال وحسب فهذه حسنة الدنيا قدمت لك قبل الآخرة, فاحمد الله عليها.