[كثرة ذكر الله عز وجل]
الدواء الثالث من الأدوية، التي تعالج النفس وتزكيها: كثرة ذكر الله: وهذا كالإجماع عليه بين الأمة، يقول ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى في الجزء العاشر في السلوك، وقد سئل عن أفضل عمل قال: أما أفضل عمل فهو كالإجماع بين الأمة أنه ذكر الله، ويستشهدون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في السنن: (ألا أدلكم على أفضل الأعمال عند ربكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم، قلنا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله عز وجل).
ويروي الترمذي عن عبد الله بن بشر وذكره صاحب جامع العلوم والحكم وأضافه إلى الأربعين النووية، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال: (يا رسول الله! كثرت عليّ شرائع الدين، فأخبرني بعمل أتشبث به وأوجز -يقول: لا تكثر عليّ، ولكني سأمسك العمل هذا، فقال له صلى الله عليه وسلم في جواب يدل على نبوته، بل من دلائل نبوته أنه أوتي جوامع الكلم- قال له: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) لأن اللسان الرطب من ذكر الله لا يمكن أن يعمل المعاصي، هل الزاني يزني ويذكر الله؟! هل شارب الخمر إذا شرب الخمر يذكر الله؟! الذي يشرب الدخان ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم! الذين ينظر إلى الأفلام هل يمكن أن يذكر الله؟ لا.
من الذي يعمل هذه الجرائم والمعاصي؟ الغافل عن الله، لكن من يذكر الله، ورطب لسانه بذكر الله، وعينه تدمع من خشية الله، وقلبه منور بخوف الله، هذا ينجح بإذن الله، ويفوز في الدنيا والآخرة.
فكيف أذكر الله؟ يقول الله تبارك وتعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:١٥٢] والله يمتدح الذاكرين فيقول: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:٣٥] ويقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:٢١] ما هو الذكر؟ قال العلماء: الذكر خمسة أنواع: النوع الأول: ذكر الله عز وجل عند ورود أمره، إذا ورد عليك أمر الله وقمت بتنفيذ أمره فأنت ذاكر حقيقي، لأن الله يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:١٤] لكن عندما تنام وهو يؤذن وتقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر وأنت نائم، فأنت ذاكر صوري، لا.
إذا سمعت أمر الله فانهض، هذا الذكر الحقيقي، ذكر الله عند ورود أمره.
النوع الثاني: ذكر الله عند ورود نهيه، إذا كنت في الشارع ورأيت امرأة متبرجة فاتنة، وذكرت الله وخوفك من الله، وذكرت أن الله مطلع عليك، وغضيت بصرك، هذا الذكر الحقيقي، أنت ذاكر لله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:١٣٥ - ١٣٦].
هذا أهم شيء، أن تذكر الله عند الأمر فتقوم به، وأن تذكر الله عند النهي فتتركه.
النوع الثالث: ذكر الله في الأحوال والمناسبات: فإنه ما من حالة إلا ولها ذكر من حين أن تستيقظ حتى تنام، إذا استيقظت تفتح عينك وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور.
وعندما تدخل الحمام، قبل أن تدخل، تقدم اليسار وتقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا أكملت الوضوء وقضاء الحاجة وخرجت، تقدم اليمنى وتقول: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني.
وكذلك عند دخول المسجد والخروج منه، وأذكار النوم وأذكار اليقظة، وأذكار الأكل، وأذكار النكاح، وأذكار لبس الثوب، وأذكار نزول المطر، وكل شيء له ذكر.
وحالة الذكر يجب عليك أن تعرفها، وتحفظها وتقولها وهذا معنى حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم: (كان يذكر الله في سائر أحواله) أي: في كل أحواله، وفي ملابساته، التي كانت تلابسه خلال حياته.
النوع الرابع: الذكر العددي الذي شرعه الشارع وحدد فيه عدداً معيناً، مثل قوله صلى الله عليه وسلم والحديث في البخاري: (من قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كتب الله له مائة حسنة وحط عنه مائة خطيئة، وكانت حرزاً له من الشيطان، وكان كمن أعتق عشر رقاب، ولم يأت أحد بأحسن أو أفضل مما جاء به إلا رجل قال مثلما قال أو زاد).
لا بد أن تأتي بالمائة بالضبط؛ لأن العدد هنا مقصود، ما دام حدد العدد في الشرع، فإن العدد مراد، وإذا زدت فلا بأس، لماذا؟ لأنه في الحديث قال: (أو زاد) لكن إذا لم تأت زيادة فحدد مثل حديث مسلم: (ومن قال عقب الصلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفر الله له ذنوبه ولو كانت كزبد البحر).
انظروا الجزاء -يا إخواني- والعمل بسيط، العمل لا يتجاوز دقيقتين، لكن الجزاء أن يغفر الله ذنبك ولو كان كزبد البحر، لكن الشيطان يحرص على ألا تقولها، فيذكرك بشيء حيث تخرج قبل أن تقولها، أو تقولها بغير عدد، ما إن ينصرف الإنسان من الصلاة حتى يبدأ يقول: كذا، وهذا ليس تسبيحاً، هذه بسبسة، التسبيح: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، سبحان الله والحمد لله والله أكبر، سبحان الله والحمد لله والله أكبر، وإذا قاطعك أحد وشغلك لا تنشغل به، تعد هذا كالذهب، والله أعظم من الذهب، والله لسبحان الله هذه أعظم من الدنيا وما عليها، إذا كانت تملأ ما بين السماء والأرض كيف تضيعها؟ لكن بعضهم يسبح ولا يعد، ولا يعلم أنهن مستنطقات، فعليك أن تعد وتحصر حتى تأتي بتسعة وتسعين، ثم تقول: لا إله إلا الله، وترجو الله أن يقبل منك، الآن إذا استلمت الراتب، تعده أولا تعده؟ تعده وقلبك مفتح وعيونك مركزة، وتفركها، لئلا يكون هناك نقص وإذا أتى شخص وحياك، أو سلم عليك وأنت تعد تقول: السلام عليكم، واحد اثنين ثلاثة أربعة خمسة عشر ستة عشر ثمانية عشر، لماذا؟ لأن هذه فلوس، لا يمكن أن تعدها وأنت لاهٍ عنها، لأنها حلت في قلبك.
تذكر كتب العلم: أن سليمان بن داود كان على البساط، والله قد سخر له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب، غدوها شهر ورواحها شهر، أي: مسافة شهر تأخذها في غدوة، ومسافة شهر تأخذها في روحة، فكان في رحلة ومعه أهله وحاشيته، فمر على قرية وحجب البساط الشمس عن الأرض، فنظر فلاح في مزرعته، يرى الشمس فلا يراها، وإذا بالريح تحمل البساط وعليه أسرة سليمان، فقال: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً كبيراً، فسمعه سليمان من فوق فأمر الريح أن تنزل وأتى إليه، وقال: ماذا قلت يا أخي؟ قال: ما قلت شيئاً، خاف، قال: بل قلت كلمة، قال: لقد قلت: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، قال: والذي نفسي بيده، إن الكلمة التي قلتها أعظم مما أوتي آل داود.
سبحان الله: تنزيه لله، تعظيم لله، وما تأتي سبحان الله إلا بعد شيء يوصف به الله، وهو لا يليق به، فيقول: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً} [الإسراء:٩٣] أجل ذكر الله العددي مطلوب بعدده.
الخامس: ذكر الله في كل وقت وهو الذكر المطلق: أن تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما شاء الله، لا إله إلا الله، سبحان الله، فإذا قلت ذلك لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله، يقول الله في الحديث القدسي: (أنا مع عبدي ما ذكرني أو تحركت بي شفتاه) كلما ذكرت الله، الله معك.
(أنا مع عبدي ما ذكرني، أو تحركت بي شفتاه، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة، وكنت إليه بكل خير أسرع).
هذا معنى ذكر الله الذي هو شفاء للقلوب والنفوس، وانظروا واستقرءوا دائماً الذي نفسه مريضة لا يحب ذكر الله، بعضهم يمر عليه شهر أو شهران، ما قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والذي نفسه حية، وقلبه حي وصحيح، لا يفتر عن ذكر الله، وقد جاء في الحديث: (مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله، كمثل الحي والميت)، الحي يذكر الله، والميت لا يذكر الله، فهذا هو سبب رئيسي مثل السببين الأولين.
الأول: تلاوة القرآن وتعلمه وحفظه، وتطبيقه، والاستشفاء به.
الثاني: تعلم السنة، والانصياع لها والتمسك بها.
الثالث: ذكر الله عز وجل.